رسالة مفتوحة إلى السيد وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والبحث العلمي

أحــمــد حــمـــداوي :
أستاذ باحث متقاعد منذ شهر شتنبر 2020 :
السيد الوزير،
من المعلوم، أن مدة إعداد أطروحة الدكتوراه بجامعاتنا المغربية تستغرق حاليًا ثلاث سنوات، فهل يحق للجامعة أن تُـلزِمَ أي طالب دكتوراه يرغب في تقديم أطروحته للحصول على منشورات في مجلات متخصصة عالية المستوى ومفهرسة ؟
هذا، ويتم تقييم أداء الباحثين وهياكل البحث العلمي على المستوى الدولي من خلال المنشورات العلمية بشكل رئيسي، إذ يكون كل باحث أو مختبر بحث مدعوً لنشر نتائج أبحاثه في مجلات علمية متخصصة ومفهرسة وذات لجان قراءة ، حيث إن عدد من المجلات العلمية، بجميع التخصصات مجتمعة، تعد بالآلاف وبحوالي 12000، ومن أهم وأبسط عوامل تصنيف المجلة هو عامل التأثير “impact factor” الذي يعكس عدد أوراق الاستشهادات والاقتباسات “citation” في المجلة.
كما أن هناك عامل رئيسي آخر يتعلق بتكلفة هذه المنشورات. فعلى سبيل المثال، فإن حالة البحث في الكيمياء الحيوية Biochemieولكوني خبير في المجال، وبدون الخوض في التفاصيل التقنية، فإن أي باحث يعثر على بروتينًا جديدًا لدى كائن حي من نبات أو حشرة ، أو غيرهما ، لن يتمكن من نشر نتائج بحثه دون القيام بعملية دفيقة ونوعية لتحديد تسلسل الحمض الأميني لكل أو لجزء من هذا البروتين، واستنساخ “الجين” الذي يرمز للبروتين وتحديد هيكله ووظيفته، مما يتطلب منه عملا طويلا ومرهقًا لأكثر من ثلاث سنوات ، على مستوى حصر الكواشف وإعداد الأليات المتطورة وتدخلات عدة مختبرات.
وعندما تقدم مثل هذا العمل للنشر في منبر علمي متخصص ومحكم، شرط إن كان البحث يفي بتوصيات المنبر العلمي المعني ،ويلاءم خطه التحريري، وأهدافه التنويرية الإعلامية ، مع انتظار قد يقارب الستة شهور على الأقل للحصول على رد المجلة.
كما،لا يستبعد أن يطلب منك إعادة تجارب معينة أو إكمال العمل لجعله قابلاً للنشر. وإذا تم رفض مقالتك، وهو ما يحدث غالبًا، فعليك تحيين مقالتك وكتابتها وفقًا لتوصيات مؤلفي مجلة أخرى والانتظار. نتيجة لذلك، قد يستغرق الوقت لإكمال العمل البحثي حتى نشره أكثر من أربع سنوات، وهذا، عندما يكون كل شيء على ما يرام وتكون جميع التسهيلات متاحة للباحثين.
وبناء على هذا العرض الموجز للموضوع، فهل يُمكن إلزام طلابنا، ممن يعملون في ظروف صعبة للغاية بالجامعات المغربية، أن يكون لديهم منشور واحد على الأقل في مجلة متخصصة مع لجنة قراءة ذات تأثير عال، حتى يتمكنوا من تقديم أطروحاتهم خلال مدة ثلاث سنوات؟
في ذات السياق، يطرحُ هذا المطلب، مشكلة أخرى على المشرفين عن التأطير في مجالات العلوم والتكنولوجيا، حيث لم يعد الطلاب يرغبون في الانخراط في الموضوعات البحثية ذات الطبيعة المحلية أو الإقليمية، لصعوبة نشرها.
السيد الوزير،
إن هذا المطلب قد يشجع فقط المشاريع التي تقام بشراكة مع مختبرات دولية، فهل يمكن لطالب الدكتوراه المنخرط في مشروع للبحث أن يُلام على عدم العثور على ما كان يبحث عنه حول عامل يشتبه تدخله في ظاهرة معينة، وخلال مدة تقتضي أكثر من سنة من البحث دون أن يعثر على نتيجة ؟ الشيء الذي قد يؤدي به الى إيقاف عمله ومغادرة الجامعة.
ولا يخفى، عن معاليكم ، أنه لا توجد حتى الآن أي مجلات علمية توافق على نشر الأبحاث التي لا تمكن من نتائج ايجابية تنشر، مما يؤدي ببساطة إلى “قتل” مواضيع البحث الجريئة والمغامرة.
ثم، فهل يجب أن نتوقف عن إجراء بحث علمي في تخصصات معينة يصعب نشرها؟ كما أن مطلب النشر العلمي قبل تقديم الأطروحات يمكن أن يكون مصدر العديد من الهفوات والإختلالات وحتى التجاوزات التي يمكن أن تلحق الضرر بصورة الباحثين وبسمعة الجامعات المغربية و الواقع، السيد الوزير، وتحت طائلة الضغط ، فإن البعض من هؤلاء الطلبة قد يميل لنشر النتائج الأولية دون السعي لتأكيدها، إذ يمكن لطلاب الدكتوراه إرسال مقالات للنشر دون مناقشة مع المشرف على أطروحاتهم.
أما على الصعيد الدولي، فعادة، لا يُسمح إلا للأستاذ المصرح له بالإشراف على عمل أطروحة الدكتوراه بالحكم على ما إذا كان طالب الدكتوراه يستحق تقديم أطروحته مع أو بدون منشورات، كما يمكن للجامعة ومركز دراسات الدكتوراه والشعبة فحص عمل الأطروحة من طرف خبراء محليين أو دوليين. ويمكنهم أيضًا فرض أعضاء لجنة التحكيم. ولا يحق للجامعة الغير قادرة على إدارة وتقييم أعمال الدكتوراه الخاصة بها، فقط بهياكلها ومهاراتها العلمية، أن تفتح دورة تكوين في سلك الدكتوراه.
السيد الوزير،
وبشكل عام، معالي الوزير، فإن الجزء المنشور، والذي يتم تقييمه من قبل لجنة تحكيم دولية، غالبا لا يمثل أكثر من 5٪ من مجمل عمل أطروحة الدكتوراه. وإن كان النشر واجب بالنسبة لأي باحث يحترم نفسه، فإن النشر العلمي للبحوث لا ينشئ وحده الباحث.
وعلى أمل أن يجد ملتمسي هذا إصغاء إيجابيًا لديكم، تقبلوا، معالي الوزير، أخلص مشاعري وأبلغ تقديري .