22 سنة من إصلاحات العهد المحمدي، والإشعاع الدولي المستمر للمغرب
هاسبريس :
مند أن خاطب جلالة الملك محمد السادس شعبه لأول مرة سنة 1999 على إثر اعتلائه عرش أسلافه الميامين، فاتحا حقبة العهد الجديد، التي إزدانت بــ 22 سنة من الإنجازات والمشاريع التي غيرت ملامح المغرب، ووضعته في مصاف الأمم الحية والمواكبة، لمسارات التنمية والإزدهار المنشودين.
فمند أن اعتلى جلالة الملك محمد السادس، عرش أسلافه الميامين، والطموح يعتريه لتعزيز مفهوم حقوق الإنسان وصون حرياته، فكانت أولى شرارات هدا الورش الإنساني، أن أخرج للوجود “هيئة الإنصاف والمصالحة” لجبر الضرر النفسي وإقرار تعويضات مادية لفائدة معتقلين سابقين وضحايا الانتهاكات.
وسيرا على نهج إعلاء قيمة العنصر البشري، أحدث الملك محد السادس رجة قوية في مدونة الأسرة بإدخال تعديلات مهمة تعزز مكانة المرأة المغربية داخل الأسرة وتحمي حقوقها وحقوق أطفالها، حيث أصبحت المرأة المغربية تتمتع بحق اللجوء للقضاء طلبا للطلاق واشتراط موافقة الزوجة عن تعدد الزوجات.
ومهما يكن، فقد وفى جلالة الملك محمد السادس بالوعود التي قطعها لشعبه مند 22 سنة، إبان أول خطاب عرش له عام 1999، حيث عقد العزم على مواصلة الإصلاح بنفس حداثي يفتح للمغرب آفاقا جديدة حتى يجد له موطئ قدم ويرتقي إلى مصاف الدول الصاعدة اقتصاديا.
واقتتح عام 2007 ميناء طنجة المتوسط،أضخم مشروع مينائي افريقي للتحول معه مدينة طنجة إلى محج للتجارة العالمية، إذ يرتبط بنحو 186 ميناء في 77 بلدا حول العالم، ما جعله الأكبر في حوض البحر المتوسط. محطة “نور” الطاقية التي أدهشت العالم، مشروع ضخم لا يقل جادبية عن ميناء طنجة المتوسطي. فقد تم افتتاح محطة “نور” سنة 2016 لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية في ورزازات، جنوب المغرب، وتعد من الأكبر في العالم. فضلا عن تدشين القطار فائق السرعة أو “”البراق” عام 2018، بحضور الرئيس الفرنسي “إيمانيويل ماكرون” وعدد من الشخصيات. ويربط هذا القطار الأول من نوعه عربيا وافريقبا، طنجة بالعاصمة الاقتصادية للمملكة الدار البيضاء .
ولأن الرجوع للأصل أصل، فقد عاد المغرب في عهد جلالة الملك محمد السادس، بعد إعمال للحكمة ولحسن التدبير، لموقعه داخل الاتحاد الإفريقي سنة 2017، لأن من أولى توجهات السياسة الخارجية للملك محمد السادس، أن انفتح على دول القارة السمراء وانصهر داخلها من خلال إستراتيجية جنوب،جنوب ومنطق رابح،رابح، مع تشبع المملكة بروح العصر وقيمه الإنسانية، وبروح الديمقراطية والحداثة، واستلهامهما من أجل إغناء الهوية الوطنية، ودعما لمناعتها، ونحتا لموقعها في عصر العولمة بتحدياتها ومخاطرها..
فقد ألقى جلالة الملك محمد السادس أمام زعماء القارة الإفريقية خلال القمة الــ 28 للقارة التي انعقدت في العاصمة الإيثيوبية، أديس أبابا في يناير 2017، خطابا أدهش المنتظم الإفريقي والدولي ببلاغته ومؤشراته الدلالية ومرجعياته الإنسانية والتاريخية، معتبرا أن المملكة المغربية عادت إلى البيت، ومؤكدا جلالته أن “إفريقيا قارتي، وهي أيضا بيتي”.
هذا، فإن التحركات المدروسة والمتأنية لجلالة الملك محمد السادس لما يزيد عن العشرين سنة، كانت كفيلة بإعادة الأمور إلى نصابها، وهي التحركات التي توجت باعتراف دولة الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء، وما تلا هذا الإعتراف من دفق دبلوماسي، وأبعاد حضارية أصبحت معه الصحراء المغربية بمثابة قلعة للسفراء والقناصل يتسع لمختلف بلدان العالم التي عبرت عن رغبتها في فتح قنصليات تمثيلية لها بمدن الصحراء.
في سياق هذه المعطيات، وبارتباط مع ما شهده المغرب في عهد جلالته، من تحولات إقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية،والحرص على صياغة مشروع فكري تنموي متجدد. يروم إغناء الرؤى الوطنية المستقبلية وبناء مجتمع أكثر عدالة، على مجموعة منطلقات، وقدرة جلالته على استخلاص الدروس من التحولات العالمية، من عولمة وقيم للديمقراطية وحقوق الإنسان، وحرصه من أجل الإنفتاح على النقاش السوسيو إقتصادي والفكري السياسي العالمي الدائر حول أنجع الطرق لتحقيق العدالة الإجتماعية والكرامة الإنسانية.
كما عرف الجهاز الأمني الوطني خلال هذه المدة من حكم الملك محمد السادس تطورا ملحوظا أقر امتيازات اجتماعية لفائدة أسرة الأمن الوطني بما يجعلها تضطلع بمهامها على نحو أفضل. فمنذ اعتلاء عاهل البلاد العرش وهو حريص على إضفاء صبغة جديدة على المؤسسة الأمنية تجعلها أكثر قربا من المواطنين. وفي ظل تنامي المد الإرهابي، مكنت الإصلاحات التي استفادت منها المؤسسة الأمنية من أن يصبح المغرب قاهرا للإرهاب ولمعتنقيه على المستوى الدولي، وتمكن جلالته من تحديد المهام المطروحة على الوطن في هذه المرحلة التاريخية، وعلى القوى الإقتصادية والإجتماعية والثقافية القادرة على المساهمة في إنجازها، وتحديد مواصفات هذه القوى الكفيلة بترجمتها إلى خطاب وممارسة فاعلين، قادرين على تأطير وتعبئة المغاربة، مع استلهام الخصوصية الحضارية التاريخية الوطنية للمملكة، وعلى رأسها الإسلام المعتدل والعقيدة الوسطية كدين وكمكون حضاري ثقافي للأمة المغربية،وتطوير دور ومكانة المؤسسة الملكية، ووحدة الأمة المغربية وتماسكها بتنوع أصولها المنصهرة مع القرون في خضم معركة انبنائها، وبتعددها اللغوي والثقافي الأمازيغي والعربي،والموريسكي والعبري والحساني، والإفريقي، كحصيلة صيرورة تاريخية تضرب بجذورها في أعماق التاريخ.
وباتت متطلبات المرحلة القادمة، تستلزم مبادرات صحية حاسمة، ونموذج تنموي جديد بالمغرب الذي مكنه وجه كورونا القبيح من إبراز مؤهلاته الصحية والصناعية والتربوية، ومدى رسوخ باع المغاربة في التمدن والحضارة فاقتحمت “الكمامات المغربية” سوق الكمامات العالمي وصارت المملكة تصدرها لكبريات الدول، بعدما حققت اكتفاءا ذاتيا، فضلا عن ذلك، استطاع المغرب بحنكة جلالة الملك محمد السادس، أن يكون من أوائل الدول التي وفرت اللقاح ضد “فيروس كورونا” لمواطنيه في سبيل تحقيق المناعة الجماعية في أقرب فرصة، ولم يقف طموح جلالته عند هذا الحد، بل ارتأى الانخراط في صناعة اللقاح على أرض المغرب، لما يتوفر عليه من بنية تحتية علمية وكوادر صحية أكاديمية قادرة على المساهمة في إنقاذ البشرية من هذا الجائحة القاتلة.
وأبى جلالة الملك محمد السادس إلا أن يختم سنتة الــ 22 بإعلان نموذج تنموي جديد يؤسس لمرحلة جديدة. بتاريخ 25 ماي 2021، استقبل العاهل رئيس لجنة النمودج التنموي الجديد شكيب بنموسى، الذي قدم أمام جلالته عصارة الاجتماعات واللقاءات مع مختلف شرائح المجتمع المغربي للوقوف على مكامن الخلل والقصور في البرامج التنموية السابقة. حرص الملك محمد السادس على أن يضع النموذج التنموي الجديد المواطن المغربي البسيط نصب أعينه، بحيث تمت برمجة معظم الخرجات الميدانية لأعضاء اللجنة بالمناطق القروية والنائية للاستماع لاحتياجاتهم الملحة واقتراحاتهم البديلة والموضوعية من أجل التصدي للإختلالات والمعيقات.