ظاهرة إنتعشت تحت نيران غلاء أدوية الصيدليات.‏

البقالة باعة الأدوية والعقاقير الصيدلانية بمراكش ‏

محمد القـنــور :
عدسة: محمد أيت يحي ‏:

هم في الحقيقة بقالة ، أو أصحاب “وراقات” تبيع الطوابع البريدية والأوراق والملفات أو مكتبات رغم ‏كونهم يبيعون الدواء والعقاقير الصيدلانية بشكل كاريكاتوري، وأحيانا هزلي، يصل إلى حدود بيع الجرعة ‏الواحدة من” السيرو ديال الكحبة” بدرهمين، ويتعاملون مع الزبناء بمنطق “الكردي”، و”الكارني” ، على غرار بقال تقليدي مغربي.

ظاهرة تناسل لأزيد من عقد من الزمن في الأحياء الشعبية والمناطق الفقيرة بمراكش ، حيث تحول الكثير من ‏العشابين تحت وطأة إنتشارها إلى أطباء بالموعد، وبات العديد من البقالة يمارسون تخصصات الصيادلة،أمام ‏الإرتفاع المهول للكثير من الأدوية والعقاقير الطبية خاصة “المضادات الحيوية” ، والضمادات المزدوجة ‏والرباعية الخاصة بعلاج الجروح والحروق، حيث تحول في مراكش وبدواوير الجماعات المحيطة بها، في ‏تسلطانت وحربيل والمنابهة وأسعادة والشويطر والويدان. ‏
‏ فعلى مرأى من الجميع ، تباع في الدكاكين الأدوية والعقاقير الطبية، من الأسبرين و الباراسيتامول إلى الــ ‏كلارادول، سيكرام. ومن أموكسلين، أوراسلين إلى رينوميسيل و الأسبيجيك، إضافة إلى الحقن‎..‎والضمادات ‏واللصاقات‎ ‎والمراهم الخاصة بالعيون والتآليل والبظور، والإلتهابات الجلدية فضلا عن العقاقير الخاصة ‏بعلاجات الضغط الدموي والسكري و المعدة … أدوية ومستلزمات طبية بدأت تنافس الأدوية والعقاقير ‏المعروضة على رفوف الصيدليات، وتتخذ مكانا خفيا في محالات البقالة والوراقات والمكتبات، إذ تحول ‏البقالة خلالها إلى صيادلة دون أن يلتحقوا بإحدى الكليات الوطنية التي تدرس الطب أو الصيدلة.‏
‏ وينطلق أساسا مسار هذه الأدوية إلى محلات البقالة من السوق السوداء للأدوية، فغالبا ما توزع الأدوية بما ‏فيها الراقدة داخل المستشفيات، التي لم ينتفع بها المرضى سابقا، والتي بات يفصلها على نهاية صلاحية ‏استعمالها شهور قليلة، إلى هذه المحلات، بواسطة وسطاء في هذا المجال، يقتنون هذه الأدوية مباشرة من ‏مختبرات الأدوية أو يحصلون بطرق غير قانونية على حصص منها، كانت تخصصها أصلا وزارة الصحة ‏للمستشفيات الإقليمية و المراكز الصحية.. وصارت تجد طريقها إلى محلات البقالة بسهولة. إضافة إلى ‏كميات من الأدوية المهربة من الجزائر ومن سبتة ومليلية المدينتين لسليبتين، وتجد رواجا منقطع النظير ‏داخل المحلات والدكاكين بعدد من الأحياء الشعبية والعصرية بمراكش على حد سواء، حيث يتراوح سعر ‏الحبة الواحدة من هذه الأدوية مابين درهم واحد بين نصف درهم وعشرة دراهم، أما إذا تعلق الأمر بمضاد ‏حيوي من قبل “أموكسيل” أو “أوغاسلين”، أو الأدوية التي تساعد على السمنة بالنسبة للنساء،وإبراز ‏الأرداف والمؤخرات والتي تلقى حظوة في صفوف النساء الأميات فالثمن يتضاعف ‏‎.‎
ويبقى السؤال العالق، حول كيف تصل الأدوية إلى محلات البقالة والمكتبات والوراقات ؟ ومن المسؤول على ‏ترويجها وتحديد أسعارها بالتقسيط ؟‎.. ‎الجواب على هذه الأسئلة تحمله نتائج حملات التفتيش التي تقوم بها ‏مصالح وزارة الصحة التابعة لمديرية الأدوية.‏
تعترف بسهولة مختبرات الأدوية نفسها، بيع الأدوية بشكل مباشر للأشخاص في حاجة إليها، لكن بكميات ‏محدودة وتحت وصفة الطبيب. ومن جانب آخر هناك أطباء وجمعيات تقتني أيضا الأدوية بشكل مباشر ودائم ‏تحت يافطة تقديم خدمات طبية في المستوى الجيد، وهناك بعض الأدوية التي توسع بشكل مجاني على ‏الجمعيات التي تنظم حملات طبية عبر مراكش ومختلف المدن الصغيرة والكبيرة بالمغرب . ‏
والطريف، أن بيع الأدوية المجزأة بمحلات البقالة وبالطرق التقسيطية يحقق نسبة مبيعات كبيرة تصل إلى ‏‏300 مليون وحدة سنويا منها ، علما أن حوالي 50 في المائة من الأدوية المنتجة بالمغرب يتم تمريرها عبر ‏مجموعة من القنوات الموازية للصيدليات إما عن طريق البيع المباشر من طرف الجمعيات أو عن طريق ‏المحسوبية التي تنخر مستودعات الأدوية بالمستشفيات والمستوصفات ‏‎.‎
ويطرح تاريخ صلاحية الأدوية التي تباع بشكل موازي لتلك التي تشترى من الصيدليات أو توزع بشكل ‏مجاني بالمراكز الصحية أو المستشفيات التابعة لوزارة الصحة، الكثير من علامات الاستفهام. فالعديد من ‏المواطنين من ذوي الدخل المحدود، أو من المعوزين غير قادرين على اقتناء الأدوية مباشرة من الصيدليات، ‏كما أن أغلبهم لا يتوفرون على التغطية الصحية، ويجدون عزاءهم في أدوية ” مول الحانوت “،الذي يعتبر ‏في نظرهم مناضلا يقوم بعمل إنساني، ينقدهم من بين براثن المرض، ولهيب غلاء أسعار أدوية الصيدليات.‏
ظاهرة تتوالد داخل الأحياء والدواوير والمركبات السكنية رغم أن بيع الأدوية المجزأة‎ .. ‎جريمة يعاقب ‏عليها القانون، بسبب أن مرتكبيها يعرضون حياة المرضي لخطر الموت. ‏
وإذا كانت لجان وزارة الصحة، تقف من حين لآخر حائرة أمام كميات ضخمة من الأدوية تسوقها محلات ‏البقالة، مما يؤدي إلى ملاحقات قضائية ضد أصحاب هذه المحلات ومتابعات قانونية لتجار أدوية وعقاقير ‏السوق السوداء التي توزع على محلات البقالة، فإنها تنظر بعين الرضى أو تتغاضى عن القوانين المنظمة ‏لعملية بيع الدواء، خاصة إذا ما تعلق الأمر بالأدوية التي تباع بشكل مباشر للمرضى في العيادات والجمعيات ‏والمصحات، علما أن المادة 135 من القانون المنظم للصيدليات ، تجرم البيع الموازي للدواء، وتؤكد على أن ‏بيع الأدوية خارج الصيدليات، يعاقب عليه قانونا بدفع غرامة مالية قد تتراوح ما بين 5 آلاف وخمسين ألف ‏درهم، وبعقوبة سجنية قد تصل إلى خمس سنوات‎.‎
‏ في هذا الصدد، تقول سعيدة 31 سنة ، مستخدمة بفندق من حي الداوديات بمراكش لــ “هاسبريس ” : “أنا ‏شخصيا لايهمني تاريخ صلاحية الدواء كل ما يهمني هو أن أحصل على الدواء، الذي صار صعبا على ‏المنال، في حين يؤكد عبد اللطيف 33 سنة صانع تقليدي، من حي باب الخميس: لــ “الأنباء المغربية ” أنا ‏أعرف احترام شروط استعمال الأدوية خاصة عندما يتعلق الأمر بالمضادات الحيوية، أمر ضروري، ولكن ‏ماالعمل ، فالمضادات الحيوية أرخصها يصل إلى مئة درهم، وليست لدي القدرة على شراء العلبة الكاملة، ‏المهم “الستار الله”.‏
في نفس السياق تشدد فاطمة 27 سنة، مجازة معطلة على ضرورة إحترام البقالة باعة الأدوية والعقاقير ‏الطبية بمراكش، لأنهم يوفرون الدواء للمساكين الذين لايستطيعون مواجهة غلاء الأدوية، وليس إيفاد لجن ‏لمعاقبتهم من طرف وزارة الصحة، التي لايشعر مسؤولوها بمعاناتنا اليومية .‏
من جهة أخرى، يقول مسؤول عن البيع بأحد مختبرات الأدوية في شارع يعقوب المنصور بجليز لــ ‏‏”هاسبريس” : “نحن لا يمكننا أن نراقب القنوات الذي تتخذه هذه الأودية بعد بيعها.. لكن كل ما يمكننا القيام ‏به هو الحرص على ضرورة الإدلاء بوصفة الطبيب… أو مجال اشتغال المؤسسات والجمعيات الخيرية التي ‏تتعامل مع المرضى .. ‏‎.‎

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.