تشكل طقوس وتقاليد وأطباق رمضان الشهر الفضيل بالمغرب، مرآة تعكس ثراء الثقافة المغربية، وتنوعها، وعمقها الباذخ الضارب في أطناب الحضارة الإنسانية،فإذا كانت مائدة الإفطار تتميز بحضور “الحريرة” الحساء المغربي الذائع الصيت، عالميا، فإن كؤوس الشاي أو “أتاي” بالعامية المغربية و الحلويات التقليدية مثل “الغريبة، وكعب غزال، والفقاص والبريوات،والعجائن على غرار “الحرشة” وفطائر البغرير، وحلوى الشباكية، تبصم حضورها اليومي على المائدة الرمضانية المغربية ، خلال فترات الإفطار وأوقات السحور.
وتتسم مائدة ليلة النصف من رمضان بالمغرب بميزاتها، إذ أن أغلب العائلات تنتظر الإحتفاء بمنتصف الشهر الفضيل على أحر من الجمر، حيث تجتمع هذه العائلات على مائدة العشاء ، التي يشكل فيها الدجاج سيد المائدة، وتجتهد العائلات المغربية حسب المدن والجهات بالمملكة، في تقديم الدجاج كمحور رئيسي في هذه الليلة، محمر على الفرن، أو تحضيره مرفوقا بــ “الكسكس وبالخضار السبعة”، أو الدجاج مع “الرفيسة” وهو الثريد المغربي،والذي يعد من أشهى الأكلات المغربية والعالمية نظرا لمكوناته المتنوعة من البهارات والقطاني والحلبة والسمن البلدي. ويبقى الأهم في الإحتفال بليلة النصف من رمضان، والتي تعرف لدى المغاربة بليلة الفضيلة، إحتراما لدلالاتها الدينية ومعانيها الروحية، وهدفها الإجتماعي في تمتين إلتحام أفراد العائلات في أجواء تملؤها البهجة والمودة والسرور.
وتزدهي أيام شهر رمضان الكريم، خصوصا ليلة منتصف الشهر وليلة اليوم السابع والعشرين منه في مختلف مدن وقرى المغرب بنكهات مختلفة فى كل بلد عربية إسلامية، تتوحد عبرها الموائد والأطباق مع الطقوس والعادات التي تكرس للشهر العظيم، عبق أجوائه ودقة تفاصيله التي تترجم قدسيته فى وجدانيات المغاربة المتمسكين بأصولهم العريقة وعاداتهم ونمط عيشهم.
فالشعب المغربى يبدأ الاستعداد لرمضان مبكرا منذ أواخر شهر شعبان، يتهافت الجميع رجالا نساء وأطفالاً وشيوخاً لشراء ملابس تقليدية جديدة، فالرجال يلتزمون طوال الشهر بارتداء العباءة والطربوش والعمامة ويستبدلون الحذاء بالبلغة التى تناسب العباءة، في حين، تتنافس النساء المغربيات فى الذهاب للخياطة التي تقوم بتفصيل القفاطين والجلابيب الجديدة والزاهية بمختلف الألوان، المهيأة من أجل تبادل الزيارات العائلية، والذهاب للصلاة إلى المساجد التي تكتسي رونقا مميزا بالزرابي الجديدة والبسط الرفيعة، المخصصة لإستقبال المصليات والمصلين فى الشهر الكريم خاصة فى صلاة التراويح والتهجد تحت جماليات الإضاءة المنبعثة من الثريات الملونة في أساطين وممرات المساجد ضمن مستوى بهيج ينسجم شكلا ومضمونا مع حضور المصلين.
وتحتل أطباق أنواع الدجاج الحيز الرئيسي في مائدة ليلة النصف من شهر رمضان، ليس فقط داخل العائلات المغربية فقط، وإنما على مستوى إعداد الوجبات المخصصة للصدقات على المساكين والفقراء ممن يعتكفون ويجاورون بالمساجد والزوايا وبباحات أضرحة الأولياء والأقطاب بالأحياء المغربية في المدن العريقة،حيث عادة ما يقدم الدجاج فى أواني الكسكس كعادة تأصل عليها الشعب المغربى، عبر مختلف العصور، في حين يتفنن المغاربة بمدن وواحات الأقاليم الجنوبية فى المغرب فى أعداد أطباق هذه الليلة بلحوم الإبل المشوية والمطبوخة الممزوجة بعبق توابل الثريد “الرفيسة” بالتمر والقديد، والتي عادة ما تنافس حضور الدجاج .