هي آخر الفراعنة، بالمعنى التاريخي والثقافي والحضاري لكلمة فرعون، وواحدة من أشهر الحكام في التاريخ القديم، وفي مصر القديمة، وأول أشهر إمرأة في التاريخ، ملكة إستحوذت على إهتمام المؤرخين قدماء وجدد، إبنة بطليموس الثاني عشر، من ملوك الأسرة المقدونية،التي حكمت مصر أحد أول الفاتحين وناشري الفكر والمعرفة والحضارة في تاريخ البشرية….. فقد فتح وحكم الإسكندر المقدوني من بلاد مقدونيا إلى بلاد الهند، وسفوح جبال الهملايا، ودخلت شعوب وأمم تحت سلطته، فلما توفي وليس له من العمر سوى 32 سنة، في عام 323 قبل الميلاد، وزع جنرالاته البلاد المفتوحة من طرفه فيما بينهم، فكان بطليموس الأول حاكما على بلاد مصر وجزءا من الشام، وكان كل هؤلاء الملوك بمصر يسمون بطليموس، سلفا عن خلف، إلى الثاني عشر والد كيلوباترا ، ثم أن عائلة هذه الملكة الشهيرة،قد قضت حياتها في مصر لأكثر من 100 سنة قبل ولادة كليوباترا، سنة 69 قبل ميلاد المسيح عليه الصلاة والسلام.
وكما تعرفون، وبالطبع كلكن وكلكم يعرف،أن حياة كيلوباترا مدرجة في كتب التاريخ القديم لدى المؤرخين والشعراء الكبار ، الرومان ممن عاصروها، على غرار “هوراس” و “بلوتاركـ” وغيرهما،كما تناولها المؤرخون والباحثون وعلماء الآثار، في الزمن الحديث، ممن طفقوا لعقود متتالية من الزمن ينبشون في أسرار حياتها المذهلة ومغامراتها العجائبية،ومكائدها الخفية، وتحالفاتها العسكرية، وذكائها الإقتصادي ودهائها السياسي،وجمالها الباهر، وأنوثتها الآخاذة، ونمط حياتها المتفسخ، وطقوس إستقبالها للملوك والقادة، ونهايتها المأساوية.
ومهما يكن، فلم يعد إسم كيلوباترا،محصورا في أمهات كتب التاريخ العالمي، وتحت مَعاوِل المنقبين عن الآثار، وإنما إرتفع إلى الفضاء، وبات يحمله كويكب صغير، يدور حول الشمس، ويتباه مشروع بيئي دولي مشترك لحماية مياه حوض المتوسط من التلوث، بات منقوشا على بعض القيثارات والمزامير وآلات الموسيقى،وبعض أجود أنواع العطور الباريسية، وعلى مدارج وبيادق القمار في أغلب كازينوهات العالم،وعلى مضارب ألعاب البلياردو، وعلى محاليل التزيين، ومعدات التنظيف والتجفيف،وكأسماء مستعارة لمعظم فنانات الرقص الشرقي، وعلى بعض أنواع الصابون، وأصناف الشوكولاطة، وفي الآداب العالمية منذ أن ألهمت شكسبير إلى أحمد شوقي ويومنا هذا، وفي أفلام السينما العالمية،وإن كنت أعتقدُ ، -مع إستحضاري للنجمة العالمية التاريخية ليز تايلور-، أن ما من ممثلة في العالم كانت تضاهي الملكة كيلوباترا” في قدرتها المتعددة على تقمص أدوار الملكة الأم، والملكة الداهية، والملكة الديبلوماسية، والملكة الأخت، والملكة العاشقة الوالهة، والملكة المتلاعبة بهوس الرجال، والملكة المدافعة عن إستقرار شعبها وأمن بلدها العسكري والغذائي، والتصدي لخسائر الفيضانات والمجاعة، وأطماع وتهديدات روما، تلكــ الأمبراطورية الناشئة، آنذاك والملكة التي لايزال البعض يختلف حول أصلها فيما إذا كان يونانيا،أو نوبيا أسمرًا إفريقيا .
وعلى كل حال، فإني كنتُ قد إلتقيت شخصيا بـــ “كيلوباترا” في مكة المكرمة، وكانت سجائر شعبية من التبغ الأسود تسيطر على جيوب المدخنين في الشرق الأوسط، فقد تفضل حارس العمارة التي كنت أقيم بإحدى شققها، أن ناولني سيجارة،وكأس شاي أحمر، وكان رجلا طيبا صعيديا يُحبني ويستلطفني وينادني “حُمَد” ، وكان من “سوهاج” كما ذكر،وكان إسمه “عوض الله”، فلما رشفت رشفتين من “كيلوباترا” قال لي : ما عندكو “كيلوباترا” في المغرب، قلت له “لا عندنا “كازا” أجمل، وأشَدُّ نكهةً، وأضفت “كازا سبور” حتى لا يختلط الأمر عليه، مابين المدينة الشهيرة والسيجارة الشقيقة .