سنة في ضيافة الفرنسيين : حبكة الدراما وجديد السينما المغربية‎ تعرض بمراكش

 مـحـمـد الــقــنــور :

من إخراج وإنتاج عبد الفتاح الروم وبطولة الطفل سيف الروم، وكل من الممثلين رشيد الوالي، وصونيا عكاشة وعز العرب الكغاط، ورشيدة الروم فضلا عن ممثلين فرنسيين أجانب من بينهم مارك صامويل Marc Samuel، أنطوان شينيارد Antone Chiniard، جيريمي بانستر Jeremy Banster، سيباستيان لالان Sébastien Lalanne، ماري غايل كال Marie Gaëlle Cals….

ويستعرض الفيلم المغربي “سنة في عند الفرنسيين” والمقتبس من رواية تحمل نفس العنوان للكاتب فؤاد العروي كانت قد رشحت سنة 2010 لنيل جائزة غونكور الأدبية الفرنسية، في قالب كوميدي قضايا معقدة ومسائل خلافية مثل تأثير الاستعمار على الشعوب المستعمرة، والازدواج الثقافي بين الثقافتين المغربية والفرنسية وأحكام القيمة العنصرية، والعديد من المفارقات التي تطفو كلما إقترب الشرق بالغرب، وما ينجم عن ذلكــ من قضايا لاتزال عالقة.

كما يقدم هذا الفيلم، عالمين متناقضين وثقافتين مختلفتين، برؤية مغربية،وإن كانت روايات وقصص وبحوث، وأعمال سينمائية عربية ومغربية، قد تناولت هذا الأمر، منذ مطلع القرن المنصرم .

ويستلهم الفيلم المغربي “سنة في عند الفرنسيين” أحداثه من مرحلة زمنية تعود إلى نهاية الستينيات من القرن الماضي ، وتحديدا 1969 سنة وصول الأمريكيين إلى القمر، وللتاريخ هنا دلالاته الحضارية، وماشكله ذلك من نقلة نوعية في مسار البشرية، ليقدم في هذا الخضم، الطفل المغربي “مهدي كتيم” التلميذ المتفوق في دراسته، والمتحدر من وسط متواضع ببني ملال، والذي سيلتحق وهو في العاشرة من العمر، بفضل منحة حصل عليها، بثانوية ليوطي بالدار البيضاء، حيث سيعيش بعيدا عن قريته لمدة سنة يدخل أثناءها في أجواء وثقافة فرنسا وخصوصياتها.


وتتطور أحداث الفيلم ليكتشف “مهدي” نمط عيش الفرنسيين، المغاير تماما لما كان يعيشه في كنف عائلته ببني ملال، ليجد نفسه غريبا في هذا العالم الفرنسي، وفي مظاهر وأحداث وقيم تباين ثقافي بين الشرق المسلم والغرب المسيحي أو العلماني، وقبل أن يبدأ بعد سنة من مكوثه “في ضيافة الفرنسيين” من التعايش مع هذا العالم المختلف والمتباين عن عالمه الأصلي، يحذوه في كل ذلكــ عزم ظاهر وذكاء واضح ، وقدرة على التماهي تمكنه من التميز في دراسته.

ولعل الجِدَّةُ في الفيلم، تكمن في رصده على مدى 98 دقيقة، لعالمين متباعدين، بعد القمر عن الأرض مبرزا التناقض والاختلاف بين كلا العالمين، دون إصدار أحكام مسبقة أو تفضيل لأي منهما، حيث لايوجه المخرج تفكير المتلقي، وإنما يترك له حريته في قراءة الفيلم ، وإن كان الأطفال المغاربة، مثل مهدي، كثيرون في المغرب، وفي أماكن أخرى من العالم”، أولائك الأطفال ممن يتحلون بالجرأة وإرادة البقاء، والسرعة في التأقلم، والقدرة على الإندماج الحضاري وعلى إبراز عبقرية العطاء والإبتكار والشجاعة في مواجهة العوالم المختلفة عن عالمهم، والثقافات المتباينة عن ثقافتهم الأصلية.

كما تحمل شخصيات الفيلم جزءا من تاريخ فرنسا سواء تاريخها الاستعماري بكل تداعياته آو خطوبه على غرار شخصية “ميلود” حارس المدرسة الذي ليس سوى أحد قدماء حرب “الهند االصينية”، حيث جندت فرنسا العديد من الجنود المغاربة لخوض هذه الحرب، ثم شخصية “موريل” أحد الفرنسيين”الأقدام السود” من المزدادين في مستعمرة الجزائر، ويكشف الفيلم عن ما لهؤلاء من خصائص بفعل هذا الانتماء الجغرافي، وما يعتريهم من تناقضات، كما تتوزع انتماءات ونزعات كل أستاذ ما بين الشيوعي والليبرالي، بالمدرسة التي إلتحق بها “المهدي، ليقضي سنته” الأولى، مما يجعل “المهدي” غريبا في هذا العالم الفرنسي، غير أنه سرعان ما يتمكن من الاندماج في هذا العالم الغريب عنه ، ليصل مع تطور أحداث الفيلم إلى الانغماس فيه، بعد علاقته بعائلة طفل في سنه “دوني لوبيرجي”، زميله في الصفوف المدرسية والذي سيعيش المهدي معه خلال العطل الدراسية في كنف أسرته الفرنسية ليستشعر منذ إلتقائه بهذه العائلة، مدى الفوارق بين العالمين وبين الثقافتين، وبين النمطين المُحددين للعيش، وليقف عن طبيعة الاختلاف في العلاقة التي تربط بين الأسرة والأطفال. وتلكــ العلاقة المعقدة بين هؤلاء الفرنسيين والمغاربة المحيطين بهم، وتأثير هذه العلاقة على رؤية وإرتباط “المهدي” بزميله دوني.

ففي الفيلم سيكتشف “المهدي” العالم الآخر للثقافة الفرنسية ونمط عيشها، وسيتمكن من أن يصبح جزءا من هذا العالم لحد التماهي، بعدما قصَّر المسافة في علاقته بهذه الثقافة وبهذا العالم.
فقد انتقل المهدي إلى قضاء العطلة لدى عائلة زميله الفرنسي دوني، ثم تعرف على عائلة “الطيب”أحد أقربائه، مما شكل فرصة للطفل ليكتشف عالم المغاربة بالمدينة، وكيف تم استقباله داخل أسرة هؤلاء الأقارب بكل الحفاوة والتلقائية المغربية.

والواقع، أن ما عاشه المهدي مع عائلة “الطيب” جعله يدرك الفرق الشاسع بين عالمين، عالم عائلة “الطيب” بحي شعبي بالمدينة القديمة في الدار البيضاء، وعائلة “دوني” القاطنة بمنزل عصري على إحدى مرتفعات منطقة أنفا بالدار البيضاء.

وتصل أحداث الفيلم إلى دروتها بحضور أم المهدي حفل التكريم الذي يتم في أخر السنة، ليعكس لحظة النضج في علاقة المهدي بهذا العالم المختلف، وقدرته على إيجاد علاقة ناضجة لذاته و لإنتمائه المغربي مع ثقافته الفرنسية التي صار يتكلم بلغتها ويحيا عاداتها ويحلم بآفاقها، ويطلع على خصائصها الحضارية، وأنماط العيش بها، متجاوزا في كل ذلك شتى الإحباطات الكثيرة، ومختلف أنواع المتاعب التي اعترضته طيلة السنة الدراسية المذكورة، وحالت بين ثقافته المغربية والثقافة الفرنسية الغربية.

ومهما يكن، فإن فيلم “سنة عند الفرنسيين” الذي تم عرضه في عشرات المهرجانات المغربية والدولية، ونال الكثير من الإشادة والجوائز، والذي سيبدأ عرضه بالقاعات السينمائية المغربية ابتداء من يوم الأربعاء 21 يونيو 2023، تدور أحداثه حول هجرة بعض مغاربة الداخل للدراسة بالبعثات الفرنسية بالمغرب، وتسلط وقائع الفيلم الضوء على سنة فقط من حياة الطفل المغربي النبيه “المهدي كتيم” المتحدر من بني ملال، والمتفوق في دراسته الابتدائية ليحصل على منحة تؤهله إلى الدراسة بالسنة الأولى إعدادي في ليسي ليوطي ضمن البعثة الفرنسية بالدار البيضاء ، حيث سيعيش موسم دراسي كامل داخل وسط فرنسي بالدار البيضاء بمدرسيه وحراسه، ومظاهره وجزئياته ونمط عيشه، وسيقف عن كثب على نوعية العائلات الفرنسية المستقرة بالمغرب، وعوالم مؤسسة البعثة الفرنسية، كجزء مصغر يختزل الحياة المدرسية الفرنسية ، ونظامها الداخلي الذي يسيرها ونظامها الإداري، مما سيشكل صدمة ثقافية للمهدي منذ البداية.
وتسلط كاميرا المخرج عبد الفتاح الروم الضوء على المهدي منذ وصوله إلى مدرسة البعثة الفرنسية بالدار البيضاء رفقة “المختار” أحد أقاربه ، ليجد نفسه أمام عالم مختلف يبدو منذ الوهلة الأولى بعيدا عنه.
ثم ترصد كاميرا المخرج الروم طريقة استقبال كل من المهدي من طرف حراس المؤسسة والحارس العام، وإكتشافهم أنه حضر دون أحد أعضاء أسرته، يحمل معه حقيبته المتلاشية، وديكين روميين كعادة دأبت الأسر المغربية القروية، على ممارستها كعربون على الكرم وما تحمله من رمزية عن الإكبار والإجلال، وإن كانت لا تعني شيئا عند الفرنسيين.

وعلى كل حال، فقد مُنح “المهدي” هذا التكريم بفضل عمله المتميز، دفع بأستاذه في الرياضيات أن يكشِفَ لأم المهدي ، أن أمام ابنها مستقبل سيأخذه عبر طريق ملكي نحو كبريات المدارس الفرنسية، وإن كانت أم المهدي كما يبدي الفيلم، لا تدرك مفاتيح هذا العالم ولا تعرف قيمة هذه المدارس التي تتنافس عليها نخبة الأسر الفرنسية في العاصمة الإقتصادية المغربية، وتجتهد في أن يلتحق أبنائهم وبناتهم بها، لما تخوله هذه المدارس، وهذا الإنتماء إلى البعثة، من رفعة ومن ضمان لمستقبل مشرق،

ويُظهرُ الفيلم، أن النصائح والمعلومات من الأستاذ لا تعني شيئا بالنسبة لأم المهدي، وما يهمها فقط هو أن يدرس ابنها بجدية ليحصل على الدرجة الأولى.
ويمثل لقاء أم “المهدي” بأم زميله “دوني” أبرز مشاهد الفيلم هو  وهو لقاء بين عالمين يجهلان بعضهما البعض. رغم أن “المهدي” يعيش بينهما.

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.