حومة حارة الصورة العريقة، قلب مراكش المرابطي

هاسبريس :

تعتبر مدرسة الفضيلة بحي “حارة الصورة” من أول الدور التي بنيت في مراكش وفي الغرب الإسلامي إطلاقا، قبل أن تتحول إلى مدرسة لتعليم البنات في زمن الحماية، وليتخرج من فصولها العريقة، الرائدات الأوليات للنساء ممن حملن مشعل الوطنية ودافعن عن الهوية المغربية، ضد التجهيل والتغريب وال‘جتثات وطمس الشخصية المغربية للنساء المراكشيات، وكان زلزال الثامن من شتنبر الحالي، قد ألحق أضرار بواجهة المدرسة، الوقعة بالحي لمذكور، مما جعل السلطات تعتزم هدمها، وإزالتها، في حين ترتفع أصوات من أوساط ثقافية، ودوائر  إقتصادية سياحية، وجهات مهتمة بتراث المدينة الحمراء، كإحدى أبرز حواضر العالم الإسلامي والعربي التاريخية، من أجل ترميم هذه المدرسة، والحفاظ على شكلها الأصلي، ومعمارها المتميز، المختلف عن التصاميم المشرقية، وعن الأنماط الغربية، حيث تشكل نموذجا للدار المغربية الأصيلة، بصحنها الشاسع، وغرفها المتقابلة على التربيع في شكل هندسي بديع، ومرافقها الصحية المتوارية عن الأعين، وطابقها العلوي المنفتح، والمرتبط بأدراج ملتوية، تسمح بالصعود المريح   .

هذا، وتقع مدرسة الفضيلة بحي حارة الصورة في مراكش المدينة، بين حي ابن يوسف وحي الموقف، ويعود تاريخ تأسيسها إلى فترة حكم المرابطين، حيث كان حي حارة الصورة، حيا أميريا بإمتياز، سكنه أمراء وأعيان دولة المرابطين،وترعرع به الأمير علي بن يوسف بن تاشفين، حيث إختار الإقامة به، لقربه من المسجد الذي بناه، والذي لايزال يحمل إسمه.

ويرى آخرون ، أن حارة الصورة إسم مُحرف، والأفصح هو حارة السورة بالسين وليس الصورة بالصاد، مشيرين أن العديد من المصادر التاريخية رجحت أن أمير المسلمين يوسف بن تاشفين كانت له بنتان هما السورة والصالحة، واسم السورة ينسب إلى السوار الذي يحيط بالمعصم، وقد قيل أنه سماها بالسورة تيمنا بسور القرآن الكريم وحمدا وشكرا لله الذي وهبه البنت عملا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تكرهوا البنات ، فإنهن المؤنسات الغاليات)، رواه الإمام أحمد في مسنده، وصححه الألباني وغيره.

وتعود أصول تسمية الحي بــ “حارة الصورة” إلى واقعة أوردتها مجموعة من المصادر التاريخية، حول رجل  كانت قد ضاعت منه صُرة نقود، فبحث مليا عنها في مختلف أرجاء المدينة، ولم يعثر عليها إلا بهذا الحي فصاح قائلا” وجدت صرتي بهذا الحي الميمون والمبروك” فسمي الحي لدى العامة بحارة الصُرَّة، في حين، تؤكد روايات تاريخية أخرى، أن أصل لتسمية يعود لكلمة “الشورى” ، وأن بعض ساكنة الحي من اليهود، نطقوها بالسين عوض الشين، فتحول الإسم من الشورى إلى السورى، ويستدل أصحاب هذا الطرح بوجود درب بالحارة يعرف لحدود الساعة بدرب ‘اسليمة’ نسبة لوصيفة يهودية من وصيفات “صورة” الأميرة المرابطية.

وخلافا كذلك إسم “الحارة” التي تطلق على مكان سكن اليهود وأهل الذمة، كما يعود نسب الصورة لبنت يوسف بن تاشفين، ويحكى أنها سميت بالصورة كونها فائقة الجمال والحسن .

واشهر ما يميز هذه الحومة جامع الصورة الأعظم، حيث يوجد جامع أبي حسون أو مسجد حارة الصورة بالحي الذي يحمل نفس الاسم بالمدينة العتيقة، والقريب من مسجد ابن يوسف الشهير، حيث تورد الروايات الشفوية المتطابقة التي استقيناها من إمام المسجد ومصلين أن “هذا الحي منسوب إلى «صورة» بنت يوسف بن تاشفين باني مدينة مراكش، كما نسب أحد دروبه إلى إحدى خادماتها المسماة «سليمة».

وكانت حومة “حارة الصورة” أول ما نزل المرابطون بمدينة مراكش حيث خصص جزء من الحي يـبرز في الموضع الذي يوجد فيه المسجد الآن فضاء مفتوح عبارة عن «حوش» لإقامة الصلاة خاصة للتجار الذين كان يفدون على المدينة»، وتضيف هذه الروايات أن سواريه وسقفه بنيت مع مرور الوقت وتعاقب الدول وجددت عدة مرات. أما صاحب كتاب «السعادة الأبدية فقد نسب الجامع إلى السلطان أبو حسون الوطاسي الذي «أسسه ترغيبا للناس في بقاء دولته لمزاحمة السعديين له، فشيده وحبس عليه أوقافا كثيرة، ثم جدده السلطان السعدي مولاي عبد الله الغالب بالله وزخرفه، ثم أقيمت فيه صلاة الجمعة في عهد السلطان العلوي محمد الثالث، الشهير تاريخيا بسيدي محمد بن عبد الله»، ومازال تقوم فيه إلى الآن.

ويتوفر المسجد على قاعة للصلاة بها سبع بلاطات يتقدمها أسكوب مستعرض امام البلاط الأول به عقود ذات أقواس حذوية تسير عمودية في اتجاه المحراب، اما بقية الاساكيب فتسير عمودية في اتجاه عمق المسجد، سقف القاعة مصنوع على الطريقة التقليدية باستعمال خشب الأرز، أما صحن الجامع فيحتوي حسب معاينتنا، على خصة رخامية للوضوء وبه أربع مجنبات من رواق واحد، والمجنبة الامامية به ثلاث أبواب بأقواس تؤدي إلى قاعة الصلاة، اوسطها به عنزة ومكان لوقوف الإمام خلال استعمال الصحن صيفا للصلاة ومازال اثار الرخام ظاهرا بها. أما أرضيته فقد عوض رخامها بزليج فسيفسائي ابيض وأخضر استعمل ايضا لتغطية الجدران بعلو يقارب المتر، أما عاليه فيزينه قرمود أخضر.

كما يحتوي الجامع على ثلاثة أبواب واحد في الجهةالغربية وواحد في الجهة الجنوبية فوقه تعلو مئذنة قصيرة جدا يصعد إليها من باب داخل المسجد، وثالث يدخل منه إمام وخطيب الجمعة.

والى جانب باب الإمام ، باب آخر يؤدي إلى مدرسة خرجت الكثير من الفقهاء ممن قاموا الاستعمار مثل مولاي بوعزة، وعلال، ولحلو القلبة، قبل أن تتحول هذه المدرسة  الآن إلى محل للخياطة. أما منبره الاصلي الخاص بخطيب الجمعة فهو متهالك غير مستعمل وموضوع في ركن من المسجد ويستعمل الآن منبر جديد صنع على الطريقة التقليدية وبه نقوش، كما يلاحظ وجود كرسيين لإلقاء الدروس واحد قديم والثاني جديد، وقال لنا إمام المسجد الشيخ محمد الدرقاوي الصوفي أنه صنع لنفسه كرسيا لأنه كان غير قادر على الجلوس على كرسي شيخه الفقيه الحاح أحمد كرام استحياء واحتراما لمكانته وتبجيلا لشخصه. ومن خطباء وأئمة المسجد حسب صاحب السعادة الابدية محمد بن الحاج على الزمراني المتوفى سنة 1323ه الموافق لسنة 1905م، كما درس فيه العلامة سيدي الحسن الصالح المراكشي وممن أخذ عنه مولاي رشيد، ومولاي بوعزة في أيام والدهم.

هذا، ومن دروب حومة حارة الصورة، درب الزنبوع و درب الحاج الزاوية وطوالة سيدي أبو حربة، ودرب الحاج عمر ودرب البابور ، ودرب زمران ودرب يا الحبيب ودرب البارود ودرب ابقيل ودرب اسليمة.

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.