فقهاء ومؤرخون لفقوا قصصا عن سِيَر الصحابة

هاسبريس :

تمتلأَ مجموعة من الكتب التاريـخية الدينـية، والتي تتناول أخبار وقصص الصحابة والتابعين، بالعديد من المغالطات والأكاذيب والحكايات المدسوسة، وظلت تتداول على لسان العوام إلى أن وصلت لدرجة المأثورات على منابر الصلوات، ودروس الوعاظ، وطلبة العلـم، بالرغـم من أن تـحقيق تلك القصص من الأمور اليسيرة على أي عالـم مـحدث.

قصة أبي ذر الغفاري والقاتل

جاء أشـخاص بقاتل لعمر بن الخطاب ، فقالوا له  : يا أمير المؤمنين! نريد منك أن تقتص لنا من هذا الرجل؛ فقد قتل والدنا، قال عمر بن الخطاب: لماذا قتلته؟ قال الرجل : إني راعى إبل، وأعز جمالي أكل شجرة من أرض أبوهم، فضربه أبوهم بحجر، فمات فأمسكت نفس الحجر، وضربته به، فمات.

قال عمر بن الخطاب: إذن سأقيم عليك الحد، قال الرجل: أمهلني ثلاثة أيام؛ فقد مات أبي، وترك لي كنزًا أنا وأخي الصغير، فإذا قتلتني ضاع الكنز، وضاع أخي من بعدي ،فقال عمر بن الخطاب: ومن يضمنك، فنظر الرجل في وجوه الناس، فقال: هذا الرجل. فقال عمر بن الخطاب: يا أبا ذر هل تضمن هذا الرجل؟ فقال أبو ذر: نعم يا أمير المؤمنين،

فقال عمر بن الخطاب: إنك لا تعرفه، وإن هرب أقمت عليك الحد، فقال أبو ذر أنا أضمنه يا أمير المؤمنين.، فرحل الرجل ومر اليوم الأول والثاني والثالث، وكل الناس كانت خائفة على أبي ذر؛ حتى لا يقام عليه الحد، وقبل صلاة المغرب بقليل جاء الرجل، وهو يلهث وقد اشتد عليه التعب والإرهاق، ووقف بين يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. قال الرجل : لقد سلمت الكنز وأخي لأخواله، وأنا تحت يدك لتقيم علي الحد، فاستغرب عمر بن الخطاب، وقال: ما الذي أرجعك؟ كان ممكن أن تهرب! فقال الرجل: خشيت أن يقال لقد ذهب الوفاء بالعهد من الناس، فسأل عمر بن الخطاب أبا ذر لماذا ضمنته؟ فقال أبو ذر: خشيت أن يقال لقد ذهب الخير من الناس. فتأثر أولاد القتيل، فقالوا: لقد عفونا عنه، فقال عمر بن الخطاب: لماذا؟ فقالوا نخشى أن يقال لقد ذهب العفو من الناس».

فقد قرأ الجميع هذه القصة مرارًا في قصص محمد عطية الأبراشي ولدى غيره من كتاب أدب الأطفال، غير أنها في الحقيقة مكذوبة، فقد وردت في كتاب واحد فقط من المصادر «إعلام الناس بما وقع للبرامكة» للقاضي «الإنليدي»، وهو ما يعني أن القصة دونت بعد 700 سنة من حـكـم ابن الخـطاب، كذلك قال القاضي «شرف الدين حسين بن ريان» أنها من أغرب ما سـمـعت في حياتي من الأخبار وأعـجبها! ولم يصدقها ، حيث لم ترد لا عند الواقدي ولا في الصحاح، ولا عند المسعودي أو الطبري وكلهم من جهابذة المؤرخين الكبار والمتقدمين زمنيا على الإنليدي »

عمر بن الخطاب ووأد البنات

 

ومن القصص الغريبة المتداولة أن السيدة عائشة كانت تُعطر النقود للصدقة، وهو أثر عنها لم نره مكتوبًا في أي كتاب! كذلك بالنسبة للخلفة الثاني عـمر بن الخطاب لم يئد ابنته الصغـيرة؛ لأن أول زوجة تزوجـها هي «زينب بنت مظعون» أخت «عثـمـان بن مظعون»ـ وقال الواقدي وابن الكلبي في الرواية التي ذكرها بعد ذلك ابن كثـير «أن عـمر تزوج زينب في الجاهلية، وأنـجب منها أول بناته وهي حفصة، التي ولدت قبل بعثة النبي بـخمس سنوات»؛ وبالتالي هي أكبر أولاده، ولم نر عـمر فعل ذلك من وأدها كأختها السابقة، وهذا مايُكذب القصة جـملةً وتفصيلًا.

وقصة أن الشيطان تمثل في صورة شيـخ نـجدي لقادة قريش في دار الندوة، وهو من أشار عليهم بقتل الرسول في الواقعة الشيهرة، قصة كاذبة أيضًا؛ لأنها منقولة عن «مـحمد بن إسـحاق»، وهو كاذب ومدلس، كذلك كل من نقل عنهم كانوا مُبهمين لم يستدل عليهم، إلا القليل، وذكرهـم السيوطي في «تدريب الراوي» أنهم ضعفاء الحديث، واتفق معه الحافظ ابن حـجر، وابن كثيـر، والواقدي، وابن الكلبي، والبخاري، وغيرهـم في ضعف الرواية نصًا، لكن صدقها موضوع في اجتـماع قريش في دار الندوة.

ومن القصص الغريبة والمشهورة جداً قصة «القبطي» الذي سبق «ابن عـمرو بن العاص»، وعندما تعرض للظـلم والضرب من طرف نجل عمرو والي مصر ، سافر إلى عـمر، وعرض شكواه، إلى نهاية القصة المعروفة، وهي قصة رائعة وعظـيـمة، لكن غريبة وواهية …

فقد ذكرت في كتاب «فتوح مصـر» لابن عبد الـحكـم، منقطعة السند عن «أبى عبدة عن ثابت البُنانيعن حُمَيْد عن أنس»، وبالبحث عن القصة من طرف «حُمَيْد» بصفته راويًا للقصة وجدنا أن عدد الرواة مـمن نقلوا قصصه كانوا 73 شـخصًا لم يكن منهم «أبو عبدة أو ثابت البُناني»، وهو ما يعني أنهم واهون وضعفاء، لم نـجدهـم في أية قصة في الأساس، كذلك السند مقطوع من فتوح مصـر، والتـخريـج للرواة ليس حقيقيًا، فـجعل القصة ضعيفة جدًا، لكن، وللأمانة العلمية، فإن الكثير يؤكد تلك القصة لتأكيد قول عـمر «متي أستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا»، وهي مقولته في تلك الواقعة، لكن الأسانيد التاريخية الموثوقة ليست في صالـح المؤكدين.

المصادر

قصة الجار اليهودي : عند الحافظ ابن كثير في ” البداية ” ( 3/181)) عنه الطبراني في ” المعجم الكبير ” ( 11/407/12155 ) البغوي في ” تفسيره ” ( 4/174 ) للآية “قصة العنكبوت والغار “

قصة “تـحكيم أبليس في دار الندوة ” :- لحافظ ابن حجر العسقلاني في «طبقات المدلسين» في الطبقة الرابعة رقم (9) وقال: «محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي المدني صاحب المغازي مشهور بالتدليس عن الضعفاء والمجهولين وعن من هم أكثر شرا منهم، وقد وصفه بالتدليس ابن حبان».

الإمام النسائي ذكر أن كل هذه القصص مكذوبة، وأوردها في «الضعفاء والمتروكين» رقم (241) ، وقد  أوردها كذلكــ  الإمام الذهبي في «الميزان» الجزء الثالث ، صفحة  357

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.