مؤسسة آفاق تصدر موسوعة العميد جلاب عن الجامعة اليوسفية بمراكش

مـحـمـد الـقـنـور :

صدر عن مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال بمراكش،  كتاب “الجامعة اليوسفية بمراكش” لمؤلفه الباحث والمؤرخ الدكتور حسن جلاب، العميد السابق لكلية اللغة العربية في مراكش.

وحسب بلاغ توصلت به “هاسبريس” من المؤسسة المذكورة، التي راكمت حتى اليوم أزيد من ستين كتابا وتتطلع قبل نهاية هذه السنة لتحقيق رقم 70 مصنفا حول مراكش، والتي يرأسها الأستاذ عبد القادر عرابي، فإن هذا الإصدار، جاء احتفاء بمرور أربعة عشر سنة على صدور أول كتاب ضمن سلسلة مراكشيات، وفي سياق تتويج مراكش كعاصمة للثقافة الإسلامية،ومن خلال توثيق التاريخ الثقافي للجامعة اليوسفية كأهم مركز أكاديمي، وموقع علمي وتعليمي، طبع تاريخ مراكش والمغرب خصوصا، والغرب الإسلامي.

هذا، ويتناول كتاب “الجامعة اليوسفية بمراكش” ما يقارب تسعة قرون من العطاء العلمي والمعرفي والحضاري لهذه المدرسة الجامعة، حيث يقع في ثلاثة أجزاء.


إلى ذلكــ ، يؤرخ الجزء الأول من كتاب الدكتور حسن جلاب للجامعة اليوسفية خلال عصور الموحدين والمرينيين والوطاسيين،في حين يتناول الجزء الثاني الجامعة اليوسفية خلال عصري الأشراف السعديين والأشراف العلويين، بينما يتعلق الجزء الثالث بالتأريخ لذات الجامعة اليوسفية في القرن العشرين، وتحديدا من سنة 1912 تاريخ إعلان الحماية الفرنسية على المغرب إلى فبراير 1963، وهو التاريخ الذي يمثل بداية نهاية هذا المَعلم العلمي الحضاري، وذلك بحذف اسم الجامعة اليوسفية بصفة نهائية، واستبداله باسم “كلية اللغة العربية”، حيث أصبحت الجامعة اليوسفية تابعة لجامعة القرويين التي كانت فيما مضى صنوا ونظيرا لها.

وأورد ذات البلاغ، أن مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال بمراكش، وهي تزف إلى المراكشيات والمراكشيين وسائر القراء خبر صدور هذا الكتاب القيم، فإنها تثمن الجهد الجبار الذي اضطلع به مؤلفه الدكتور حسن جلاب من أجل إنجاز هذا العمل، حيث تعود بدايات اشتغاله على هذا الموضوع إلى سنة 2001، حينما تصدى لتحقيق كتاب “الجامعة اليوسفية بمراكش في تسعمائة سنة” للأستاذ محمد بن عثمان المراكشي، العميد السابق لجامعة ابن يوسف، والذي صدر سنة 1937م.

ومهما يكن، فقد كان الأستاذ محمد بن عثمان المراكشي، يعتزم بكتابه “الجامعة اليوسفية بمراكش في تسعمائة سنة” التطرق للتأريخ للجامعة اليوسفية بمراكش منذ تأسيسها على عهد علي بن يوسف بن تاشفين حوالي سنة 514هـ الموافق 1120م إلى زمنه، لولا أن وافته المنية يرحمه الله سنة 1945 وهو في ريعان الشباب، فلم يتمكن سوى من إنجاز جزء واحد يتناول الجامعة على عهد المرابطين.

ولقد اختتم المؤلف الدكتور جلاب تحقيقه لكتاب الجامعة اليوسفية بوعد قطعه على نفسه بأن يكمل مشروع ابن عثمان، وهو الوعد الذي تم تحقيقه اليوم بفضل مثابرته التي دامت لأزيد من عقدين من الزمان، وبفضل إيمان فريق العمل بمؤسسة آفاق بأهمية ونجاعة هذا المصنف، حيث اشتغلت عليه آفاق منذ ما قبل 2019 إلى اليوم، رغم التحديات التي تواجه قطاع النشر وصناعة الكتاب، ورغم الاستخفاف وعدم تقدير المشروع الحضاري الذي تمثله سلسلة “مراكشيات”، وإن كان مشروعا فريدا في بابه على الصعيد الوطني والعربي والإفريقي والإسلامي .

والواقع، أن هذا الكتاب في أجزائه الثلاثة يروم إبراز المساهمة العلمية الوازنة لجامعة إبن يوسف التي كانت فيما مضى ندا للقرويين في فاس والزيتونة في تونس والأزهر في القاهرة، والتي دُرست في رحابها شتى العلوم الشرعية والوضعية ومختلف ضروب الآداب وأنماط الفنون، وتصدى للتعليم بها علماء رواد في مجالاتهم، غطت شهرتهم الآفاق، واستمرت أدوارها العلمية والقومية والوطنية حتى بدايات الاستقلال، حيث اضطلع علماؤها وطلبتها بالنصيب الأوفر لتحقيق استقلال المغرب الحديث.

كما أبرزت جامعة إبن يوسف عبر العقود والقرون، مدى عمق حضارة وتنوع التمدن في مراكش، وقوة زخمها المعرفي والتدريسي، ودور المغرب الرائد والأساسي في ربط أواصر العلم والثقافة بين الشرق والغرب والجنوب، والتي لم يكتب لها التطور على غرار مثيلاتها من الجامعات في العالم الإسلامي، لتكون جامعة حديثة حاضنة لمختلف العلوم والفنون، فبدل أن تكون جامعة القاضي عياض امتداداً وتطوراً للجامعة اليوسفية، أو حتى استمراراً لاسمها، فإن قدَرا ما أوقف تداول هذا الاسم بمعناه ومبناه.

ولقد دأب بعض المثقفين والباحثين والأكاديميين وأهل الفضل والعلم في مراكش إلى إرجاع سر هذا “التوقف” إلى صراع مُتقادم عفا عنه الزمن الآن، بين نخبة فاس ونخبة مراكش، والذي إنتهى إلى انتصار أهل فاس آنذاكــ لمدينتهم ولجامعتهم، وهو تفسير يحمل في طياته بعض الصحة بالنظر إلى أن المدينتين ونخبهما، واللتان طالما تنازعتا شؤون السياسة، وقيادة المغرب والمساهمة في صنع تاريخه على مدى قرون، وإن امتازت مراكش مقارنة بمنافِستها فاس بأنها كانت على مدى قرون حاضنة للخلافة الإسلامية، كالمدينة المنورة، ودمشق وبغداد والقاهرة وقرطبة، حيث لم تحتضن الخلافة الإسلامية بعد رسول الله ﷺ  إلا في هذه الحواضر الستة، وكعاصمة إمبراطورية للمغرب .

وطبيعي، فقد شكل فقدان الجامعة اليوسفية لدى خاصة مراكش وجزء متَفَقِّه من عامتها جرحا ثقافيا غائراً، ظل يطفو على السطح في مناسبات كثيرة، ويتبدى في أعمال بعض مثقفاتها ومثقفيها كما هو الشأن بالنسبة للأستاذ المحامي والمفكر إبراهيم الهلالي، الذي أسس مجلة تحمل اسم “مجلة جامعة بن يوسف”، وجعلها منبرا ومدخلا للمطالبة باستعادة هذا المجد العلمي والمعرفي المطمور.

ثم لم تَخْلُ مداخلات لبعض المنتديات، ولا محاور الندوات، ولا كراسي الدرس أو موائد المآدب ومراسم المآتم وأجواء الفسحات و طقوس النزاهات، من الإشارات إلى هذه الجامعة التاريخية التليدة، وأسباب وأدها،وهي استحضارات ظلت دون الجهد والتضحيات التي كانت من المفروض أن تُبذل قصد استعادة جامعة إبن يوسف لوظيفتها التاريخية ودورها الحضاري، وبعدها الإشعاعي في مسارات التنوير والتمدن، خلافا لما تحولت عليه اليوم ، وأضحت مجرد مزار سياحي.

في ذات السياق، وتحت وهج النوستالجيا وقوة الحنين إلى هذا المجد الضائع ، يؤكد الأستاذ عبد الصمد بلكبير في مقدمة الجزء الأول من كتاب “الجامعة اليوسفية بمراكش” لمؤلفه للدكتور العميد جلاب، أنه “ولأجل استكمال الاستقلال والسيادة، وخاصة على صعيد اللغة والعقيدة والوحدة، فإن استرجاع جامعة ابن يوسف إلى ما يناسب عصرها الراهن،ويحفظ ذاكرتها في نفس الوقت،يعتبر نقطة ثابتة في جدول أعمال المستقبل الوطني والعربي والإسلامي بل والإنساني أيضا وبالأحرى، حيث لا يخف أن صدور هذا الكتاب القيم، قد يكون من بشائر ذلك الأمل المنشود.”

والحق، أن  كتاب “الجامعة اليوسفية بمراكش” الذي يصدر اليوم، يعتبر مساهمة علمية وعملية وجيهة في حفظ الذاكرة الثقافية الوطنية والعربية والإفريقية والإسلامية والإنسانية، ورسالة واضحة تشدد على أن المغاربة كانوا من السباقين في إنشاء الجامعات، وفي أزمنة كانت مظلمة بالنسبة لشعوب قريبة منهم، وإن كانت اليوم مالكة لناصية المعارف والعلوم والفنون.

كما أن مشروع “مراكشيات” كشعار لحفظ وتوثيق التراث الثقافي المراكشي”، والذي دشنته مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال بمراكش، سعى في مراميه البعيدة إلى جعل هذا المحفوظ ذخيرة وجمرة كمون لنهوض حضاري مغربي مرتقب، لا يمكن أن يتحقق إلا بالعلم والمعرفة،والعمل والإيمان بقيمهما، وباستعادة المؤسسات العلمية الحاضنة والراعية لمنتجيهما.

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.