واحات المغرب : عبق الطلاقة وأريج التراث الممتد على خطوات القوافل

مـحـمـد الــقــنــور :

يحرص ساكنة الواحات، وبعض قبائل الرحل من المغاربة، على محاكاة أساليب الحياة العربية القديمة، وهذا سر تمسكهم بالسكن في البراري والفلاة، والصحراء الممتدة من لكويرة إلى النجود العليا في شرق المملكة.

وتعد ثقافة الترحال ونوازع البداوة التلقائية والفطرية جزءاً أصيلاً من مكونات التراث المغربي والماضي القريب والبعيد، والتي تتميز بالإستمتاع بأجواء الليل وجماليات البيد برمالها وما فيها من نباتات الشيح والزعتر وأشجار الغاف والسدر المنتشرة فيها، التي تحط فوقها الطيور وتأكل منها.

وباتت الرحلات الإستجمامية السياحية نحو هذه البراري من التقاليد السنوية التي تمارسها مجموعة من العائلات المغربية القاطنة بالمدن، والمؤسسات الثقافية وجمعيات المجتمع المدني، فضلا عن هوس السياح الأجانب بالإطلاع على أسرار ومميزات حياة الرحل والبدو، ممن يتوجهون إلى الإنغماس في الرمال الصحية لمرزوكة، أو نحو مناطق الشقاقة و”عرق اليهودي” و”أولاد إدريس” في محاميد الغزلان .

هذا، وتكثر هذه الرحلات الداخلية والخارجية نحو هذه المناطق مع بدايات فصل الشتاء حيث يحتفي سكان هذه المناطق بالطبيعة،  ويستمتعون بهطول بعض المطر بين الزرع والنبات،لتزدان الوديان بالمياه، على غرار وديان “الساورة” والداورة” ونهر درعة الذي يعتبر أطول نهر في المغرب، على خط يمتد 1200 كيلومتر، مخترقا الكثبان الرملية والتلال الصخرية ليصب قرب مدينة طرفاية.

يقضي معظم الزوار المغاربة والسياح الأجانب أوقاتهم في هذه المناطق، مستمتعين بأغاني الرحل، وأهازيج قبائل الواحات، في حين ينفق آخرون أيام عطلهم في تذوق التمور وقطف نبات «الحميض» الصحراوي، الذي لا ينبت إلا في موسم الشتاء، ومشاهدة مياه الوديان المنسابة على خط جميل، كقوافل لانهائية من قطرات ماء عذبة وطبيعية، تنزل من الجبال أو تتدفق من بين الصخور بشكلها الساحر، مما يعد أجمل وأروع المناظر الخلابة، التي يمكن مشاهدتها في الواحات المغربية.

إلى ذلكــ ، يزداد الإقبال على التخييم في الصحراء المغربية، حيث تنبعث رائحة الأرض الطيبة حاملة رسائل التاريخ، وتنوعات الأماكن، وتعدد الروافد الثقافية ورسائل الحضارة المحمولة على ظهور إبل القوافل المتوجهة للشمال ، نحو حواضر مراكش وفاس ومكناس ومن قبل إلى مدينة سجلماسة.

تشكل الواحات المغربية مصدرا لراحة القلوب ومنبعا لدفء للأرواح المتعطشة إلى سحر الصحراء بسكونها وهدوئها، فالخروج في هذه الأيام والمبيت في مخيمات الصحاري من منطقة أكفاي بضواحي مراكش إلى محاميد الغزلان، ومن أعماق واحات أنيسي في ضواحي تازناخت إلى ربوع السمارة ليس مجرد نزهة فحسب، بل عادة سنوية منتظمة يمارسها الكبار والصغار.

والواقع، أنه منذ أوائل التسعينات من القرن الفارط، شهدت هذه المناطق طفرة سياحية ونهضة لوجيستيكية شملت تجديد مجموعة من الطرقات المعبدة، والمسالك الطرقية مكنت من العودة إلى الطبيعة والتلقائية التي عاشها الأجداد، والاطلاع على مواقع وخطى القوافل على امتداد جهات وأقاليم الوطن.

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.