النفس كالمدينة، ومراكش مقامة لسعادة الروح في موسمية السماع

استعمال المواد المحلية في إصلاح المباني التاريخية رهان حاضر المدن العتيقة ومستقبلها بالمغرب

مـحـمـد الـقـنــور :

عـــدســــة : بلعيـــد أعـــراب :

في إطار الطبعة الثالثة عشرة لموسمية سماع مراكش ، والمنظمة من طرف جمعية منية مراكش، برئاسة الأستاذ جعفر الكنسوسي الباحث الأكاديمي والخبير في قضايا التراث المادي واللامادي المغربي تحت شعار “مراكش مقامة لسعادة الروح”، وخلال فعاليات الندوة المتعلقة بحاضر المدن العتيقة ومستقبلها بالمغرب ،والتي غطت يومي 25 و26 دجنبرالحالي، ومواكبة للاحتفال بمراكش كعاصمة للثقافة في العالم الإسلامي طيلة سنة 2024،ووسط برنامج دقيق للقاءات الطربية والموسيقى الصوفية وحفلات التتويج والإعتراف بالكفاءات الهندسية والباحثين والفنانين وبحضور العديد من الخبراء والمهندسين المعماريين والصناع التقليدين وأرباب الفنون المعمارية ومعلمي صنائع البناء والأدباء والفنانين والباحثين والطلبة الجامعيين وجهات فاعلة من صناع القرار المشاركين في حماية المدن العتيقة وصونها، حيث إستمرت فعاليات موسمية سماع مراكش للقاءات والموسيقى الصوفية في دورتها الثالثة عشرة .

هذا، وإيمانا من جمعية منية مراكش أن المدينة العتيقة تظل مـيــراثا للــزمـن ، فقد تطرقت المداخلات بالندوة، خلال الجلسة العلمية الأولى التي ترأسها الأستاذ جعفر الكنسوسي، والجلسة الثانية التي أشرف على تسييرها الأستاذ عبد الغني أزريكم، وبمشاركة كل من الأساتذة عبد العزيز بلقزيز المهندس المدني والأستاذ بالمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بمراكش ورشيد الهدى المهندس المدني والأستاذ بالمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بمراكش، والأستاذ أحمد خليل بوستة المهندس المعماري والأستاذ الأديب المصطفى لمحضر الباحث في تراث المغرب والأندلس وأمينة المغاري المبرض الباحثة الجامعية، حيث تطرقت الندوة التي إستمرت على مدى يومي 25 و26 دجنبر الجاري ،إلى مراحل إستعادة جمالية بعض المعالم المعمارية في مدينة مراكش، في سياق المشروع الملكي للحاضرة المتجددة، والذي حرص عاهل البلاد جلالة الملك محمد السادس على وضعه وتتبعه، وتوطيد أركانه، ورسم معالمه، وكيفيات تخطيط وإرسترجاع بيئته الحضرية بطريقة تعزز من جمال المدينة الحمراء وتعيد عنفوانية وهجها الحضري ورفاهية أبعادها الثقافية والإجتماعية.

في حين إنبرى الأستاذ المفكر والفيلسوف محمد موهوب إلى تحليل مقولة الفيلسوف والمفكرً الشهير، حجة الإسلام أبي حامد الغزالي “أن النفس كالمدينة”، والتي تحمل الكثير من الدلالات الفلسفية والإشارات الصوفية العميقة.

حيث ذكر الأستاذ موهوب أن النفس كالمدينة في بنيتها وتعقيدها، مشيرا أن المدينة تحتوي على عناصر متعددة تتفاعل مع بعضها البعض، مثل الأحياء السكنية، الأسواق، والحدائق. بنفس الطريقة، النفس البشرية معقدة وتحتوي على المشاعر، والأفكار، والرغبات المتعددة التي تتفاعل وتؤثر على بعضها البعض.

وأبرز موهوب أنه كما النفس تحتاج إلى تنظيم وإدارة فالمدينة تتطلب إدارة جيدة للحفاظ على نظامها ورفاهية سكانها، وكما تحتاج النفس إلى توجيه وتنظيم لضمان توازنها وصحتها العقلية والروحية، من خلال المجاهدة و التأمل، والتعلم الذاتي، والتطور الروحي.
فإن المدينة تتأثر بالبيئة المحيطة، وبالعوامل الخارجية مثل الطقس، والاقتصاد، والسياسة، والزوار على غرار النفس التي تتأثر بالبيئة المحيطة بها، بما في ذلك العلاقات الاجتماعية، الظروف المعيشية، والأحداث اليومية.

وأرجع موهوب مقولة الغزالي النفس كالمدينة، لأن كليهما يحتاج إلى دفاع وحماية، فالمدينة تحتاج إلى وسائل لحمايتها من التهديدات الخارجية، مثل الجدران أو القوات الأمنية، كما النفس التي تحتاج إلى حماية من الأفكار السلبية والتجارب المؤذية، والتي يمكن التعامل معها من خلال تعزيز الصحة العقلية والروحية.

وخلص موهوب أن مقولة الغزالي توضح أن النفس البشرية والمدينة هما كيانان معقدان ومترابطان، يحتاجان إلى التنظيم والحماية، ويتأثران بالعوامل الخارجية، مشددا على ضرورة إرساء سبل فهم الوضع الحالي للمدن التاريخية العريقة كمراكش ومختلف حواضر المغرب الكبير والشرق العربي ، وتقييم سياسات الحماية الخاصة بها، سواء كانت وظيفية أو معمارية أو اجتماعية أو بنيوية.

كما إنكب المشاركون خلال أشغال هذه الموسمية التي تعتبر تكملة لمخرجات الندوة الدولية لسنة 2023، والتي سبق أن حضرها خبراء دوليين في ترميم المعمار، من أوروبا وأمريكا والشرق الأوسط، ومسؤولون حكوميون ومؤرخون وأكاديميون مختصون ومهندسون مغاربة تطرقوا إلى إصلاح المباني التاريخية بالأصل ومنهجية استعمال المواد المحلية، بالمدن العتيقة .

كما تناول المتدخلون خصوصيات التصميم المعماري لأسواق وقباب ومزارات وصوامع وأزقة وحمامات وسقايات وساحات ومساجد وفنادق مدينة مراكش العريقة،مؤكدين على ضرورة المضي في استخدام التصميمات المعمارية الأصيلة والترميمات المميزة والجذابة التي تراعي أصليتها وتعكس هوية وثقافة المدينة، مع الحفاظ على وهج ونضرة الحدائق التاريخية والأماكن العامة الخضراء والتليدة التي ظلت تمنح المدينة الحمراء جواً من الهدوء والأريحية والجمال، فضلا عن أهمية ترميم البنية التحتية المتعلقة بتطوير شبكات الصرف الصحي الطرق والممرات والمرافق العامة بشكل يلائم الاحتياجات اليومية للسكان ويسهم في راحة حياتهم، مع الحفاظ على نظافة مراكش المدينة وترتيبها، مما يعزز من الشعور بالجمال والراحة والإنتماء للوطن من جهة، ويعمل على إعادة دمج الفنون الحرفية التقليدية في البناء إلى الواجهة، مثل “تدلاكت” والنقوش والزليج المغربي بمختلف أنواعه الفاسي والتطواني وغيرهما والزخارف والتغطيات الخشبية والمرمرية وإعادة ترصيص الأجور البلدي والقرميد المغربي الأصيل والجبس المدروس والجير المخمر في المشهد المغربي الحضري عموما، وفي مراكش على وجه الخصوص.

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.