زهرية مراكش : صونٌ للتراث وللحِرف العريقة، إشعاع سياحي و إقتصاد إجتماعى

مـحـمـد الـقـنـــور :

أبرز الأستاذ الباحث جعفر الكنسوسي القيم على زهرية مراكش، أن موسم تقطير ماء الزهر يؤكد إستمرارية الإحتفاء بشجرة النارنج “الزنبوع” وبزهراتها البيضاء التي تعلن عن كرامة ربيع استثنائي فواح في مراكش، يعبق شداه في كل رحبة حيث تصارع “الزنبوعة” من أجل البقاء والحياة.

وأشار الأستاذ الكنسوسي أن هذه الشجرة المباركة تجود بنفحات ناعمة، تتوجها النساء اليقظات وعُشاق أوقات تأتي بغثة وتمضي سُرعة في انتظار حثيث والمدينة كافة. فهذا الإبّان أشد وقعا على القلوب من فصل الربيع بل هو ذِروٌ من قول المدينة، تخاطب به أهلها وعابري أرجائها: هذا زمان ناشق شميمها يتعرض لنفحات أُنس بمثابة دعوة إلى عالم غمره البهاء والصفاء. في مساجدها وزواياها، في رياضاتها وشوارعها.

وأكد الكنسوسي أن موسمية ” تقطار الزهر” تعود كل سنة للاحتفال بالربيع بين أسر مراكش، حيث تتعهد الأوساط النسائية هذا العمل الحضري الجميل بشكل رئيسي، وضمن طقوس دقيقة ومتوارثة تتحدر من أمد بعيد في تاريخ المدينة، محتفية بالزهرة البيضاء الشذية، وصونها بمحبة وشوق منذ أزمنة طويلة.

كما أفاد الكنسوسي، أنه عندما تخرج النساء قطاراتهن النحاسية التليدة من مستودعات بيوتهن بحلول فصل الربيع، فإنهن يستعددن بالفعل لإثارة لحظات من البهجة والغبطة في يوم الحفل،حيث تجتمع الأسرة، صغارا وكبارا، حول الشذى الساحر لزهرة النارنج، والرحيق الذي يقطر بمختلف معاني سعادة الهائلة التي يتيحها.

وشدد الكنسوسي على أن موسمية الزهرية في مراكش تحافظ  على ذاكرة ثقافية بهية متجذرة في المدنية، تمشي فوق رؤوس العصور، من خلال جمالها وفوائدها الروحية والاجتماعية والاقتصادية ورفاهيتها في شتى المناسبات والأفراح وجلسات السماع ومنتديات العرفان ومراسم اللقاءات، مما يبرز الوجه المشرق للثقافة المغربية، التي  تستحق أبلغ الاهتمام والصيانة .

إلى ذلكــ ، ذكر الكنسوسي أن نساء مراكش تشارك في عملية التقطير في منازلهن أو في التعاونيات، أو بمبادرة من الجمعيات التراثية أو المنظمات الثقافية، بما في ذلك المتاحف وغيرها من المؤسسات ذات الصلة بالصناعات السياحية، والمظاهر الثقافية .

وكشف الكنسوسي، أن جمعية منية بمراكش بادرت باستنباط هذا العيد الجديد قصد توسيع دائرة المهتمين المتتبعين، وعشاق التراث المغربي من المغاربة والأجانب من خلال دعوة مدينة مراكش والمجتمع المدني بها، لتبني هذه الموسمية رسميا، مشيرا أن جمعية منية مراكش طورت هندسة ثقافية مبتكرة لتحويل هذا الاحتفال العائلي والخاص إلى حدث ثقافي واحتفالي جماهيري كبير يعزز من شأن المدينة، ويطلع الرأي العام على مظاهرها العلمية والحرفية والأدبية والتذكارية والموسيقية، ويؤسس للزهرية التي ستدشن طبعتها الثالثة  عشر كتقليد سنوي عريق من قبل ساكنة المدينة، يروم اقتبال فصل الربيع بمراكش.

في سياق متصل، أبرز الكنسوسي، أن مبادرة الزهرية التي تنتظم في دورتها 13، ما بين 21 مارس إلى 14 أبريل المقبل تحت شعار “الزْهر اللّي تَتْرجَّى..تَلقاهْ فْمراكش البهجَهْ”، بشراكة مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل، والمجلس الجماعي لمدينة مراكش والعديد من شركائها ، تهدف إلى تعزيز إشعاع مدينة مراكش السياحي، والحرفي المرتبط بصناعة تقطير الزهر، وصناعة القطارات والصناعات الزجاجية لقارورات التعبئة بمختلف أحجامها، وألوانها، وأشكالها والأواني الفضية والنحاسية من “مِرَشَّات” و”صواني” ومِبْخَرات، فضلا عن الحلي والمعدات النسيجية المرتبطة بالشراشف والستارات وأكياس وأغطية القشاني المطرزة، وأزياء وحلي النساء الساهرات على عملية التقطير، وغيرها، من شتى الممارسات الحضرية الفضلى التي تهدف إلى تعزيز التجديد الحضري للمدينة، والمساهمة في تطوير الإقتصاد الإجتماعي، والحفاظ على الحرف المرتبطة بتقطير الزهر ،والحيلولة دون إنقراضها، ومنحها مكانة عالية وإستمرارية فعالة تعزز إشراقات حاضرة الرجال السبعة.

وخلص الأستاذ الكنسوسي إلى أن مراسيم وحفلات الزهرية تشكل مناسبة مواتية تجود بقدرة هائلة على إعادة خلق الصلات الاجتماعية بين الناس داخل الأسرة الواحدة سواء في المجتمع أو على مستوى التبادل الثقافي و انفتاح المدينة على محيطها الخارجي الجهوي والوطني والدولي، مؤكدا أن جمعية منية مراكش تتشرف وشركاؤها المحتفون بهذا العيد الجديد الذي صار يتمدد ويصل صداه القاصي والداني، كمناسبة طيبة تُتيح للمدينة فرصة سانحة للتعريف ببسائطها الثقافية التليدة.

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.