تنتسب طائفة هداوة كمجموعة صوفية مغربية إلى سيدي هَدِّي، المعروف بـ”الولي مول السبسي”. تأسست هذه الطائفة في منطقة بني عروس، وتتميز بممارساتها الروحية والفنية الفريدة، حيث كان أقطاب وأتباع ومريدو الطريقة يعيشون حياة الزهد والبساطة التي تعتمد على التسول، مشيرين أن “مولانا الله” كما يطلقون عليه، هو الضامن للرزق، كما يقومون في غالبيتهم بتقديم العروض الفنية مثل العزف على “الهراز” أو “الدعدوع” والضرب على “الطعارج المتوسطة الحجم “، وتدخين “الكيف” والنرجيلة، بالإضافة إلى استخدام “المبخرة” ذات المكونات الرخيصة الثمن مثل الجاوي و “الصالابان” والحرمل لتعطير الحلقات، والأماكن التي يتجمعون بها .
كما تتميز طائفة هداوة بتاريخها الطويل والمرتبط بالتصوف المغربي، حيث تأثرت بفكر أولياء وصوفية العصر الوسيط مثل مولاي عبد الله أمغار وابن حرزهم. كما أنها اشتهرت بممارساتها التي تجمع بين الطقوس الروحية العرفانية التي يطغى عليها الحال والجدبة وبين الفنون الشعبية المتمثلة في سرج الأمثال والحكم والمواعظ بشكل أهزوجي .
وتعتمد طائفة “هداوة” على التقشف والحياة البسيطة الطبيعية، التي تحمل كل معاني التجوال ، والبحث عن الهدوء، والسكينة، كما تؤمن بأن الإنسان يحتاج أحيانًا للتوقف، والإنطلاق في أرض الله، من أجل إعادة شحن طاقته بالتجوال والتأمل والمشي على الطرقات ومعرفة أسرار المسالك .
ويعتبر سيدي هدي ، الذي يتواجد ضريحه في منطقة بني عروس شمال المغرب، والذي يُعدُّ مكانًا ذا أهمية روحية وثقافية، والمنحدر من منطقة تافيلالت شخصية مغربية تاريخية وصوفية، كما يُنسب إليه تأسيس الطريقة الهداوية في القرن الثالث عشر الميلادي، ويُعتقد أن سيدي هَدِّي كان مرابطًا مغربيًا عاش حياة الزهد والتقشف المعتمدة على التأمل والتصوف، وكان له تأثير كبير على طائفة هداوة خصوصا، وعلى بعض جوانب التصوف الشعبي في المغرب.
وكان محمد الشرقاوي “مول لحمام” وصديقه الضرير المعطي بلفايدة، من أشهر الهداويين بمراكش وفي المغرب، وكانت حلقته في ساحة جامع الفنا محجا لأتباع الطريقة الهداوية،يأتون إليها، من مختلف مناطق المغرب، خصوصا في أيام عيد المولد النبوي، كما إشتهر الهداويون أو هداوة بجولاتهم على الأقدام في البراري والسهول نحو عيون الماء المقدسة لديهم في المغرب، بعض الشلالات والصهاريج الطبيعية والبرك والآبار من أجل الطهارة والإغتسال والإرتواء والخلوة، والصيام، والذكر المستمر، والتأمل العميق عبر تدخين “الكيف” والنرجيلة ، وأحيانا ممارسة الرياضات الروحية القاسية، مثل كثرة السهر والصيام، وتربية المريدين على ذلكــ .
كما كانت هذه الجولات في حقيقتها تعكس أسلوب حياتهم البسيط في التعامل مع الطريق، وإكتشاف مكنوناتها ، وتركيزهم على نشر طريقتهم الصوفية، مشيا على الأقدام، بين أتباعهم ممن كانوا يلتقونهم في مراحل الطريق، مما جعلهم جزءًا من التراث الثقافي المغربي.
والواقع، أن مراحل الطريق لدى “هداوة” لا تقل أهمية عن الوصول إلى منابع وتجمعات المياه ، والتي تكاد معرفة مواقعها مقصورة عندهم .
في ذات السياق، مارس هداوة فنونًا شعبية مثل الموسيقى و “الجدبة” التي كانت تعتمد على إظهار الإرتعاد بالأكتاف والأرجل ، والدخول في الحال ، مستخدمين أدوات تقليدية كـ”الهراز” “الدعدوع” وأحيانا “الطعارج”.
ومهما يكن، فإن تلك الجولات لم تكن فقط وسيلة للتنقل،أو التسكع، بل كانت للتجرد من المادة ومتاع الدنيا، وعلى رأسها الإستقرار ، وتكوين العائلة، والأنساق والمتطلبات الإجتماعية ومختلف مآرب وزخارف الحياة، وسعيًا للقاء الناس، ونشر روح التسامح والتواضع والقناعة ونكران الذات والإنسانية التي تعكسها طريقتهم في الكلام، وإعتمادهم على الأمثال المتعلقة بالحياة الإجتماعية ، وترديد الحِكم بأرقم سرية مثل الأربعة والسبعة، والمئة والمئة وواحد، والضبعة وهي رقم لايعرفونه إلا هم، ويقول البعض أنه رقم عشرون ، وإستعمالهم للغة رمزية تعرف لديهم بــ “الغوص”.