الوزير أحمد التوفيق ضيفا على “منية مراكش”، ومحاضرا حول دور الزوايا في خطة تسديد التبليغ

مـحـمـد الــقــنـــور :

نظمت جمعية منية مراكش، أمس السبت 17 ماي الجاري، في مراكش محاضرة علمية بعنوان “الدور المنوط بالزوايا في خطة تسديد التبليغ”، ألقاها الدكتور أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية،حيث حظيت المحاضرة بإستحسان الحضور الكبير الذي تابعها، بسبب وضوح هدفها، وبراعة إلقاء المحاضر الوزير أحمد التوفيق، ولطائفه، وبراعته في تسهيل أفكاره، ورؤاه على الجمهور، بلغة واضحة ومباشرة، وضمن تسلسل سلس للمعلومات، مع قوة التأثير والإلهام الذي عرفته المحاضرة حيث لم يقتصر على نقل المعلومات فحسب، وإنما على إلهام الجمهور، ودفعه للتفكير والتأمل وربط الألفاظ المتداولة لدى المتصوفة من الأقطاب والأئمة بمعاني العصر، مع المحافظة على الإيقاع الزمني المتناغم مع محتوى المحاضرة، مما ساعد في إبقاء المستمعات والمستمعين مندمجين وزاد من فهمهم للمحتوى، فضلا عن ميزات التنظيم اللوجيستيكي المميز، و الإستقبالي الجيد من طرف أطر وأعضاء المنية .

وخلال كلمته التقديمية للندوة، التي التي عرفت حضوراً ملحوظا، ترجمه الزخم الجماهيري المتعطش للإطلاع على القضايا المرتبطة بالشأن الديني وأبعاده الصوفية التربوية والتأطيرية، وتابعت أطوارها أوساط أكاديمية، وفعاليات علمية من أطباء ومهندسين ، ورجال ونساء أعمال من مؤسسات إقتصادية،وأطر من مراكز إجتماعية، ومن بعض المصالح الخارجية التابعة للوزارات بجهة مراكش آسفي، والعديد من القيميين الدينيين، وأئمة وخطباء المساجد، ومجموعة من شيوخ وقييمي الزوايا الصوفية، والطلبة والباحثين، أوضح الأستاذ جعفر الكنسوسي، الباحث الأكاديمي في قضايا وعلوم التراث المادي واللامادي المغربي، أن هذه الخطة تروم إطلاع الرأي العام المحلي والوطني والدولي على دور رجالات ونساء التصوف في تسديد التبليغ، ودور الزوايا في تشكيل الوجدان الروحي و الديني لدى المغاربة، ونبد التعصب والدغمائية والتطرف، عبر الإرتقاء بالوعي المجتمعي إلى مقامات الإحسان .

كما أفاد الكنسوسي أن هذه المحاضرة، التي يلقيها الدكتور أحمد التوفيق، كأحد القامات الفكرية والأدبية المغربية، تندرج في إطار إستضافة جمعية منية مراكش لنساء ورجال الفكر والعلوم، ورواد المعرفة والثقافة من المغاربة والعرب والأجانب، وضمن برنامج ذات الجمعية المتضمن لسلسلة من الأنشطة العلمية والمعرفية الهادفة إلى تعزيز الثقافة المغربية ، وإبراز خصوصيات عمل أهل المغرب في الحياة والفمعارف والفنون ، وتعميق النقاش حول ميزات الحضارة المغربية، وخصوصياتها المتنوعة، وإطلاع الرأي العام على أدوار المؤسسات الدينية العريقة، وعلى رأسها الزوايا، في دعم التنمية وتوطيد الخطط الوطنية في مجال التبليغ الديني وتأطير المجتمع على قيم التسامح والفضائل، والإستمرالر في تأهيل الأئمة والخطباء والمرشدين في المدن والبوادي قصد تعزيز وتوطيد الإعتدالية بالعقيدة الإسلامية في المغرب التي تستند إلى ثلاثة أركان رئيسية، المذهب المالكي في الفقه، والعقيدة الأشعرية في علم الكلام، وتصوف الإمام الجنيد في السلوك الروحي. كثوابت شكلت الهوية الدينية للمغاربة عبر العصور، وساهمت في تحقيق الاستقرار الفكري والروحي في المجتمع المغربي، والتصدي لأمواج التجهيل ونوازع الإيديولوجيات والتطرف، إعتمادا على روح العصر، والتواصل المعلوماتي الرقمي كوسيلة للوصول إلى مختلف الفئات الناشئة وأجيال الغد وجميع الأطياف المجتمعية المغربية سواء داخل المملكة أوخارجها.

هذا، وأكد الوزير أحمد التوفيق، على أهمية الزوايا الصوفية في عمليات تسديد التبليغ كأحد أبرز مهام الرسل والأنبياء، وتثبيت قيم الاعتدال والتسامح داخل المجتمع المغربي، مشيرا ، أن الزوايا الصوفية إضطلعت بدور محوري في عمليات تسديد التبليغ، لكونها مؤسسات دينية روحية واجتماعية تكافلية، ومدارس للأخلاق والقيم والمبادئ الروحية الرامية إلى تحرير الإنسان من أنانيته وتوجيهه نحو التزكية التي هي أساس التوحيد، والتربية الروحية، وتعزيز الاستقرار المجتمعي.

كما أشار التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية إلى أن الزوايا تُعد ركيزة أساسية في الإصلاح الروحي، مؤكدا على أهمية التبليغ الديني الذي يتطلب القدوة الحسنة من شيوخها ومريديها ممن يمثلون نموذجًا عمليًا للسلوك الإسلامي المعتدل، المتحرر من الأنانية، والمقبل على نكران الذات والإنفاق المعنوي والتريض الروحي كتمرين للنفس والمادي، مضيفا، أن الزوايا كالدرقاوية والتيجانية والناصرية والقادرية والمريدية وغيرها ظلت تُسهم في مواجهة التحديات الاجتماعية على غرار التجهيل، والتطرف والدوغمائية، والتغريب و الإنحلال والتفكك الأسري، عبر مواسمها ولقاءاتها، وأعمالها كمنصة مفتوحة لتقديم الدعم الروحي والتربوي للمجتمع المغربي، ولمختلف مريديها ومتعلميها وزوارها من المغاربة والأجانب.

في سياق متصل، دعا الدكتور التوفيق الصوفية إلى عدم تجاهل مشروع العلماء في تسديد التبليغ، مؤكدا أن عبارة “حسنات الأبرار سيئات المقربين” تُستخدم في السياق الصوفي للإشارة إلى أن الأعمال التي تُعتبر حسنة عند عامة الصالحين، قد تُعدّ غير كافية عند أولياء الله والشيوخ الأقطاب المقربين منه، حيث أن المقربين يسعون جاهدين إلى أعلى درجات الإخلاص والتجرد، لذا فإن ما يُعتبر حسنًا عند غيرهم قد يُعدّ تقصيرًا في حقهم لأنهم مطالبون بمستوى أعلى من الصفاء الروحي، مبرزا أن الانشغال بالعبادات الظاهرة كالصلاة والصيام اللذان تعتبران من الحسنات عند الأبرار، لكنها قد تُعتبر نقصًا عند المقربين الساعين والعاملين على حضور القلب الكامل مع الله تعالىـ كأحد تجليات سمو معايير السلوك الروحي.

وللإستدلال على أن الصوفية تواكب لغة ومفاهيم العصر،ومنهجية تسديد التبليغ، وتعكس قيمً التسامح، وقوة التأمل، لفهم الذات والتواصل مع العالم بطريقة أكثر عمقًا، وتكشفُ نجاعة التوازن الروحي، في ظل التحديات الحديثة، أورد الدكتور أحمد التوفيق، مقولات من كتاب “قواعد التصوف”، ” للصوفي المغربي الشيخ أحمد زروق الذي كان عالمًا وفقيهًا مالكيًا وصوفيًا بارزًا، كقوله رحمه الله : “لا تصوف إلا بفقه، إذ لا تُعرف أحكام الله الظاهرة إلا منه، ولا فقه إلا بتصوف، إذ لا عمل إلا بصدق وتوجه، ولا هما إلا بإيمان، إذ لا يصح واحد منهما بدونه.”


وللإشارة، فقد إشتهر الشيخ زروق بجمعه بين الشريعة والحقيقة، حيث سعى إلى تصحيح مسار التصوف، وإعادته إلى أصوله المستمدة من الكتاب والسنة، فَــرَفضَ الغلو والانحرافات التي دخلت على التصوف، ووضع قواعد واضحة للمريدين تتضمن جماليات العرفان الصوفي وتأثير المعرفة الذوقية على التجربة المعيشية والآفاق الروحية.

وعلى كل حال، فقد وُلِد الشيخ أحمد زروق في المغرب، سنة 846 وتلقى علومه في فاس، ثم انتقل إلى مصر حيث درس في الأزهر، قبل أن يستقر في مصراتة، ببلاد ليبيا،إلى وفاته سنة 899 هجرية، حيث أسس بمدينة مصراتة زاويته التي أصبحت مركزًا علميًا وروحيًا هامًا، في شمال إفريقيا.

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.