بعد الأضرار الجسيمة التي لحقت به جراء زلزال 8 سبتمبر 2023، بدأ مسجد تينمل، يخضع لعملية ترميم جديدة، وبستعيدُ عافيته، مدفوعًا برغبة مشتركة بين وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ووزارة الثقافة، وخبراء مغاربة ودوليين مختصين في الآثار والهندسة المعمارية، وذلكــ قصد حماية هذا التراث التاريخي الذي يعتبر تحفة معمارية من فن العمارة الموحدية خلال القرن الثاني عشر الميلادية.
وللإشارة، فإن مسجد تنمل، الذي استؤنفت أشغال الترميم به يعد أحد أعظم رموز العمارة الموحدية في المغرب، والتي تختزل العديد من مكنونات التراث المغربي، والتحديات العمرانية والتقنيات الحضرية العريقة بالمملكة.
هذا، وتجري عملية إعادة بناء المسجد كما كان، باستخدام القطع الأصلية المستخرجة من الأنقاض وذلك قصد حفظ الذاكرة الجماعية، حيث تتم غربلة الأنقاض لاستخراج الطوب والزخارف الأصلية، مع استخدام تقنيات التصميم الهندسي الثلاثي الأبعاد لإعادة تشكيل المسجد بدقة، إعتمادا على توثيق علمي وتاريخي شامل كخريطة طريق في إعادة البناء.
في سياق مرتبط، يحظى مسجد تنمل بأهمية تاريخية، وصيت ثقافي وإشعاع حضاري منذ تشييده، سنة 1148م على يد الخليفة الموحدي عبد المؤمن بن علي، حيث ظل مركزًا روحيًا ومزارًا مقدسًا في عهد الموحدين، ومهدًا لانطلاقة إمبراطوريتهم.
ويتميز المسجد المذكور، بمعماره الفريد، إذ يُعد مرجعًا في العمارة الدينية الموحدية، كما يعتبر ذات المسجد مصدر فخر لسكان المنطقة، ومركزًا للسياحة الثقافية والبحث الأكاديمي، مما يجعل ترميمه يعكس التزام المغرب بالحفاظ على تراثه الوطني، ويُبرز كفاءة الحرفيين والخبراء المغاربة في صون الذاكرة المعمارية، خصوصا، وأن مسجد تنمل ليس مجرد معلمة دينية، بل هو رمز عميق للهوية المغربية، يجسد تلاقي الدين، التاريخ، والعمارة في قلب قمم جبال الأطلس الكبير مهد الدولة الموحدية، والتي يعكس روح الفن الإسلامي الأمازيغي، بدءا من تموقعه الجذاب إلى تصاميمه المميزة، مرورا بنموذجية صومعته الفريدة، ومحرابه وصولا إلى أقواس المفصصة .
كما يُشكل مسجد تنمل مرجعًا هندسيًا،ونسقا معماريا، ومركزًا روحانيًا مقدسًا، ومنطلقا لدعوة المهدي بن تومرت، مؤسس الدولة الموحدية، والتي وحدت المغرب والمغارب وامتدت إلى الأندلس، وبعض المناطق ببلدان جنوب الصحراء، فضلا عن كونه مزارا ثقافيا وسياحيا وروحيا، حيث لم يؤسس الموحدون المسجد فقط للصلاة، بل جعلوا منه مركزًا للعلم، والتأمل، ورمزا للمقاومة والصمود، وقبلة لطلبة العلم من مختلف الثقافات، وتجسيدا للتعدد الثقافي والحضاري المغربي، وعنوانا لترسيخ الوحدة الدينية والسياسية المنبثقة من المشروع التوحيدي لمحمد المهدي إبن تومرت دفين المسجد المذكور، والذي جمع من خلاله بين العقيدة والإصلاح السياسي، مما ساهم في بناء دولة قوية وموحدة.