هل من الممكن تقييم تاريخ ساحة جامع الفنا ؟

⊗مقال منشور في مجلة “دفاتر تراث مراكش والجهة
الصادرة بشراكة بين جمعية منية مراكش .
ومتحف دار الصورة بمراكش، ومتحف الموسيقى بحي المواسين.

هل من الممكن تقييم تاريخ الساحة؟ هل من غير المجدي التفكير في العودة إلى نوع من حالتها الأصلية؟ يُطرح الإخطار بالتدهورات المتتالية للموقع تساؤلات عن إمكانية إصلاح هذه التدهورات.

إن المدينة تشهد الآن لحظة تاريخية حقا بفضل مشروع الترميم وإعادة التأهيل الملكي الضخم الذي لم يعرفه تراث مراكش من قبل قرون.

منذ قرن بالضبط، كان المكان الذي يُدعى الرحبة، قد تغيّر كثيرا ومساحته صارت تنكمش. أراد المشرع أن يوقف الانجراف. فلم يحدد إصدار ظهير عام 1922 من قبل السلطان مولاي يوسف شكل الساحة فحسب، بل أيضاً الروح التي تحفظ عليها درجة من الأصالة. بطريقة ما، كانت هذه السنة الفاصلة الأولى التي أرست محاولة كبح جماح الأوروبية في التقدم. ومع ذلك، فإن التغيير العميق قد استهلك بالفعل.

فمن ناحية كانت هناك قصور كبراء مراكش الذين سيطروا على جزء كبير من الفضاء، وعلى الجانب الآخر كان الأوروبيون – وهم موجودون بالفعل منذ بداية القرن – وشركة مختلطة مغربية فرنسية، اشتروا الأراضي، وبنوا الفنادق، وأسسوا منطقة الأعمال شيدوا في مقدمتها بنك المغرب. فمنذ عام 1920 كانت المصادر تذكر بالفعل وضع الأسلاك الكهربائية المشينة التركيب، والعلامات التجارية المتعدّية المعايير في موقع مفعم بالحيوية أصبح مفترق طرق للتجارة، والنقل العمومي تحت ظلال مكتب الاستعلامات الكائن بدار ماكلين. فالتصاوير والبطاقات البريدية والصور الفوتوغرافية، تظهر منذ بداية القرن العشرين تحولات الرحبة.

يمكن للمرء أن يقول جذريا أن جميع الإضافات المتعاقبة، وبالتالي التجاوزات العمرانية على جنبات الساحة قد انتهكت القانون.

وكانت مراكش المدينة الرئيسة التي تتلقى تجارة القوافل الصحراوية لإعادة توزيعها فيما بعد على المشرق وأوروبا. فنشاط هائل كهذا يقتضي مساحة ضخمة. يلاحظ المخطط الحضري عند دراسة الصور الجوية والتصاميم المعمارية القديمة فجوة كبيرة قد توسطت في التركيز الضيق للغاية للنسيج العتيق: فتحة كبيرة على شكل مثلث يبلغ حوالي 26 هكتارًا، يفوق بعشر مرات المساحة الحالية للساحة: كانت هذه البقعة الغريبة هي ميناء مراكش البري، وهو ما يكشف عنه النقاب هذا العدد من دفاتر التراث.

منذ قرون كانت جامع الفناء عبارة على بوتقة للسكان المحليين. فثقافة الكِتاب تساكن الثقافة الشفوية، وأهل المدينة الحضريون يقتبلون الآفاقيين والرّحل القادمين من بعيد. أمّا اليوم فيمكننا أن نرى الساحة أيضا بعيون الزّائر النّبيه، سواءا أكان أجنبيا أم لا. الكثيرون سيتفقون على ضرورة محو آثار الحداثة المتاجرة بالساحة ويباركون التّصدي لمنزع يلتهم ميراثها المعنوي. ألا تسمح لنا الفترة المأساوية لهذا الوباء بأن نفكر في إحياء الساحة، بل وتحريرها أولا واستردادها. أجل، أفليست هذه المقامة الكبرى للتراث الغير المادي تستمد هالة اسمها الأسطورية، من الوباء أو الوفيات المأساوية: إما من هلاك السلطان الذهبي أو لربما حتى من موت عالم الرياضيات وابن المدينة الشهير أو مصرع المتمردين المنازعين؟

هل نضرب موعدا جديدا للمحتوى الثقافي الأصيل لجامع الفناء، بحلقاتها، ومسرح الحكواتي بها؟ ولكن ليس هذا فقط. ينبغي للساحة أن تحيي صلاتها بترحال بالمجموعات الموسيقية الوطنية كافة. يحق لكل مجموعة أن تعرض أداءها الفني بالساحة. يجب أن ترحب المساحة بالمواهب الشابة، وينبغي أن تتعايش جميع التعبيرات هناك. لا حق لأحد أن يستولي على الميدان ويسُّدَ أفقَه. كل موجبات هذا العز نراها الآن مهمشة من قبل موائد الإطعام المتناسلة وجمهرة الباعة والمشترين. فالفضاء الذي كان يأوي عالم الخيال والألفة قد استعيض عنه بانعكاس مأساوي للمعنى وخسارة بينة للحضارة. في الوضع الراهن، يمكننا أن نقول أنّ هناك اقترانا تاريخيا يتيح تحقيق هذا الإحياء، والإدارة هي الضّامن.

وهناك مشروعان جديدان قيد الإنجاز بالساحة : يتعلق الأول بمتحف مخصص للتراث غير المادي والثاني بإعادة تأهيل الميدان بأكمله. بالتأكيد فلا بأس بحد أدنى من التدخل العمراني من شأنه أن يمحو أثار وزيادات غير قانونية هو مرغوب فيه للغاية. ولكن تبقى الحقيقة أن المكان يتطلب قبل كل شيء هندسة ثقافية وتجديد ذلك السحر وسلطانه الآسر وما لديه من سر، وذلك السعي وراء المعنى الذي يسعدنا. لكن البوتقة التي سمحت بإزهار المكان فقدت من مكونات سحرها. من الواضح أن أهل القرن الجديد لن يجدوا ذكرى لهذا المكان إلا إذا كانت العزمة قوية لإحياء هذا التراث العتيق وإنقاذه.

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.