في إنتظار القانون الجديد المنظم لمهنة الإعلام الإليكتروني بالمغرب
مليكـــة المرابـــط :
باتت الإقتحامات التي يعرفها المشهد الإعلامي الإليكتروني المغربي ، هي أقصر الطرق إلى الشهرة والثراء، فعلى الأقل هذا هو المنطق الذي صار يدفع كثيرين إلى طرق أبواب هذا الإعلام لا سيما المرئي منه، و الإليكتروني متسلحين بمعرفة جماهيرية متواضعة و«إطلالات» تجذب بعض المتابعين، والضحية في ذلك هي الحقيقة ومصداقية المهنة وسلطتها، والمستهلكـ المغربي للأكثر هذه الترهات .
وحسب منظمي الندوات والمهرجانات والمنتديات والمؤتمرات ، فلم تعد خافية هذه الظاهرة على أحد، حيث صار يشكو منها المخلصون للمهنة من الصحافيات والصحافيين ، الحالمين بعودتها إلى نقائها الأول، مؤكدين مراهنتهم على القانون الجديد المنظم للإعلام المغربي، وعلى وعي الجمهور الكفيل بغربلة هذه الأصناف «الطفيلية»، مشددين في الوقت ذاته على أن المسؤولية الأولى تقع على عاتق عدم تطبيق القانون من جهة، وعلى المؤسسات الإعلامية التي تتيح المجال لأمثال هؤلاء، ثم حتى على المعاهد الخاصة الإعلامية التي دأبت على إخراج طلبة يفتقرون إلى القدرة في إثبات حضورهم في المنابر الإعلامية المرئية والسمعية والورقية والإليكترونية بسبب تركيز هذه المعاهد على الدراسة النظرية غير المشفوعة بالتدريب العملي الميداني الحقيقي، ولا بالعمق الثقافي والتواصلي واللغوي والأسلوبي الذي يُحتم على ممارس الإعلام أن يتحلى بها .
في ذات السياق، رأى خبراء إعلاميون وممارسون وأكاديميون في كل من الرباط و الدار البيضاء ومراكش وفاس أن الموهبة فضلا عن المستوى الأكاديمي الجامعي والدربة الثقافية واللغوية ، والتمكن من الإحاطة بآليات الكتابة الإعلامية ، مُلزمة، تتطلب قرينة الدراسة لتخرِّج إعلامياً مبدعاً، مطالبين هذه المعاهد الخاصة بوضع ضوابط صارمة قبل قبول الطلبة لدراسة تخصص الإعلام، ومشددين على السلطات القضائية حماية الإعلام المغربي ، والحد من فوضى التسيب الإعلامي الإليكتروني .
في سياق مماثل، حذر مسؤولون ومختصون من خطورة الظاهرة الصحافية الإليكترونية وباتوا يعوّلون على وزارة الإتصال والثقافة وعلى الجمهور في غربلة الأدعياء،والدخلاء والمقتحمين لمهنة الإعلام، كمهنة ينظمها القانون المغربي، على غرار باقي المهن القطاعية، وبالأحرى السماح في أن يلتحق بها أدعياء لا تستقيم على ألسنتهم جملة مفيدة.
هذا، وفي الوقت الذي كان قد فتح الإعلام المغربي فيه ذراعيه أمام الجميع وبات الباب الأوسع والمسكين و الحائط القصير جدا الذي يمكن لأي دخيل إقتحامه أو الإنتساب إليه ، لتحقيق الشهرة والمال في أسرع وقت، وصار لقب «إعلامي» وظيفة مقرونة بالنصب والإحتيال والإلتباس والتدليس والبحث عن الثراء السريع وتحقيق المكاسب الأخرى في عالم السياسة والمال والأعمال ، والحصول على الوجاهة الاجتماعية وخاصة في ظل سرعة الانتشار التي يساعد عليها الإنترنت، وصارت بذلكـ كلمة “إعلامي” بدل كلمة “صحافي” صفة و وظيفة متاحة للجميع ومن دون أي شروط أو قيد ، بل باتت حتى بعض القنوات الفضائية وبعض البرامج الإذاعية تستسهل الطريق لجلب موظفين إداريين وحتى فنانين وراقصين ومطربين وآفاقين ومشعوذين ومتفيقهين ليقدموا البرامج الإعلامية، تحت طائلة فلتات لسان مسيئة، وركاكة فاضحة، وتجهيل للقراء والمستمعين والمشاهدين ، ليتحول معها الإعلام إلى مهنة من لا مهنة له .
وخلال العقد الأخير ، فقد دلف للإعلام المغربي من نافذة الصحافة الإليكترونية ، الكثير من الدخلاء والأدعياء ، وصارت منتوجاتهم الإعلامية تكشف أخطاء تركيبية، ومهنية، وإنزلاقات قانونية وأباطيل تروج بأسماء مستعارة، وعلى بوابات إليكترونية لا طعم لها ولا رائحة، وتفتقد حتى لأبسط شروط ممارسة المهنة ، القائمة على إتقان اللغة والاطلاع والتحلي بقدر كبير من الثقافة العامة والرؤية التحليلية.
مما حول الصحافة الإليكترونية بالمغرب ، إلى مهنة «الإعلام» في بعض المدن المغربية إلى مهنة من لا مهنة له ، كما سلفت الإشارة، من دون أي دراسة أو علم مسبق بطبيعة الرسالة التي يقوم بها الإعلام،ومن غير حتى تجربة ميدانية .
ومع كل ذلكــ ، فإن اللحظات البسيطة على شاشة الحاسوب أو عبر الأعمدة المقروءة والتي تنقلها كافة المواقع الإلكترونية، ويتلقاها الملايين فقد تكون مصدراً لاتخاذهم قرارات مصيرية وخاصة إذا تعلق الأمر بالإشاعات المغرضة، والمتاجرة بأعراض الناس،، والتفكير بعقليات الحمامات، وغرف النوم والشبقية، وبات إعلامنا المغربي الإليكتروني يفتقر للتحقيقات الإنمائية، والإستطلاعات الإجتماعية و التحليلات السياسية والاقتصادية ،والإشارات الثقافية والدود عن مقدسات الوطن وعن هوية المغرب في ظل أمواج العولمة المتلاطمة ، ويقتصر فقط على الخبر الخالي من الموضوعية والمصداقية ، أو على الأقل الخالي من الأخطاء الإملائية والنحوية والركاكة الأسلوبية ، وذلكــ ، أضعف الإيمان .
وفي إنتظار القانون المنظم لمهنة الإعلامية، أتمنى للقارئات والقراء الصبر على هذا الإبتلاء، والحمد لله أن أخيرا بدأ يلوح البصيص من النور، على أمل أن يعود إعلامنا المغربي، كما كان وطنيا محايدا قويا ومثقفا، رصينا ومهنيا ، متنوعا ومؤطرا ، سليما وغنيا، منظما وقانونيا .