احتفالات رأس السنة بمراكش تعايش بين المسلمين والأجانب
محمــد القـنــور
عدسة : محمد أيت يحي :
ارتدت مدينة مراكش، وهي تنهي سنة 2016، حلة جديدة احتفالا بأعياد الميلاد التي يحييها المسيحيون في سلام ووئام في هذه المدينة الذي يفوق عدد ساكنتها من المليون نسمة من المغاربة. ويطالع زائر جامع الفنا، التي تتوسط مدينة السبعة رجاال، مظاهر الاحتفال العديدة بحلول السنة الميلادية الجديدة؛ أشجار النويل المزينة بأشرطة مختلف ألوانها، تؤثث المتاجر والصيدليات والمطاعم، و تغمرها أضواء المصابيح المزركشة على طول الشوارع الرئيسية عندما يأتي المساء. وتزين الحلويات من مختلف الأحجام والمكونات رفوف العرض بالمخابز ومحلات بيع الحلويات فرحا بالعام الجديد، فيما اجتهدت بعض المطاعم في تقديم عروض سخية لتنظيم حفلات عشاء جماعية خلال رأس السنة.
ويشهد سوق “السمارين”،والأسواق المتفرعة منه، القلب النابض للتجارة بمراكش، بدورها، حركة دؤوبة في إحتفالات رأس السنة الميلادية على غرار مختلف المناسبات الدينية الإسلامية، حيث يعرض الباعة لوازم الاحتفالات بهذه المناسبة، من أشجار الميلاد، وأدوات تزيينها، ومصابيح ومنتوجات أخرى يتخذها الناس هدايا لبعضهم. ويجد الأطفال بدورهم حظهم من الاحتفالات حيث يحرص الآباء على اقتناء ألعاب وألبسة جديدة لهم ، في تجل رفيع للتعايش بين أتباع الديانتين في مدينة التنوع الحضاري وقاطرة الثقافة والسياحة بشمال إفريقيا.
والواقع، أن لاشيء يفسد على المراكشيين والمغاربة والأجانب من زوار مدينة البهجة احتفالاتهم وأعيادهم ومناسباتهم الدينية، بل إن التعايش بين كل الأديان وجميع الثقافات في هذه المدينة ضارب في التاريخ، لدرجة أن الكنسة الكتدرالية تجاور المسجد بحي جليز في روعة هندسية خلابة ، بما يجعل من مراكش ومن خلالها كل الحواضر المغربية العريقة نموذجا يحتذى للتعايش الروحي والثقافي في عالم تقطع أوصاله النزاعات الطائفية، والأحكام النمطية.
والواقع، أن هذا التعايش الحضاري والثقافي النموذجي الذي ظل يطبع المملكة المغربية عبر مختلف العصور، يؤكد التناغم والسلام كإرادة فطرية للأغلبية الساحقة للمغاربة..
فقد تناقل المغاربة عموما والمراكشيون خصوصا عن أجدادهم، الإستماتة على العقيدة الوسطية، والتعلق بمؤسسة إمارة المؤمنين.
وبخصوص الاحتفالات بأعياد الميلاد في مراكش، فقد إرتفعت أصوات ناشزة ومتطرفة على بعض مواقع التواصل الإجتماعي، وإشارات تكفيرية ضد أتباع الديانات السماوية الأخرى، غير أنها ظلت مبحوحة ولم تجد صدى مؤثرا في الأوساط الشعبية ولدى مختلف الفئات الإجتماعية .
تقول كاترين 52 سنة، مستمرة بلجيكية في مراكش، ومقيمة لمدة تزيد عن ثلاثين سنة لــ ”هاسبريس” : عندما يكون العيد مسيحيا يقول لنا المسلمون صلوا من أجلنا، وعندما يكون العيد إسلاميا أو يحل رمضان الكريم نقول للمسلمين صلوا من أجلنا. نحن جميعا نصلي من أجل المملكة المغربية وملك البلاد ، أمير المؤمنين أيده الله .
ولا تخف كاترين إنتقادها لما بات يعرفه العالم من النزاعات الطائفية والدينية التي تسود في أكثر مناطقه، ودور المملكة المغربية في نشر رسائل التسامح والإخاء والأمن ، وقوة منهجيتها في تدبير الملفات الأمنية الداخلية والخارجية ـ لتؤكد أن قبول الاختلاف واحترام الاختلاف وحب الآخر في اختلافه، هو أساس كل الحضارات الإنسانية الخالدة من زمن الفراعنة والبابليين والإغريق والأندلس إلى عصرنا الحالي.
وتضيف كاترين : إننا إذا كنا نؤمن بوجود الله، فإن الله رب العالمين”و أن التعايش الذي يميز المغاربة كمسلمين مع الأجانب المسيحيين في مراكش ، يشكل “حقيقة لا مراء فيها”، ويترجم الإنضباط وقوة الإيمان بتعاليم الديانتين الإسلامية والمسيحية اللتين تؤكدان على السلم والصدق والمحبة وتدعوان لإرسائها، وأن التعايش بينهما يظهر جليا في العديد من مجالات الحياة اليومية بمراكش وبمختلف دواوير وقرى وضواحي جهة مراكش آسفي ، ولا سيما في المناسبات الاجتماعية كالعقيقة والجنازة، أو في المناسبات الدينية، مما يبرز السمة الطاغية على العلاقات بين أتباع كل الأجناس والثقافات والأديان وبين الساكنة في مراكش.
وتقول كاترين أنها عمدت إلى إرسال مجموعة من الهدايا والبطائق البريدية لمختلف أصدقائها وصديقاتها المغاربة بتراب المملكة أو بخارج الوطن من مراكش في ذكرى المولد النبوي الشريف، فيما تلقت هدايا وتهاني ورسائل أخرى في إحتفالات أعياد الميلاد من جيرانها المراكشيين .