مـحـمــد الـقـنـور :
مترجم عن مجلة : Historia
ظلت المذكرات والتقارير واليوميات التي كتبها الغزاة الإسبان ، لمدة 500 سنة ، هـي المصدر الوحيد الذي يفصح عن الكيفية التي انتهت بها حضارة شعب الانكا.
ففي سنة 1532 وصل فرانسيسكو بيثارو Francisco Pizarro إلى حدود أمبراطورية الانكا، مع ما يقرب من 200 رجل وعدد من القساوسة الكاثوليكـ وتمكنوا من غزو أراضيها، من ذلك الحين احتار المؤرخون حول مجريات الأحداث التي تلت ذلك.
ومع ذلكـ ، ظل السؤال البديهي يتمحور حول لماذا لم تتحركـ جيوش شعب الانكا ضد هذا الغزو الصغير ، بالنظر لأعداد الجيوش الإسبانية الغازية لمختلف أنحاء الامبراطورية؟ ثم لِمَاذا لمْ تتحرك جيوش شعب الانكا الضخمة؟ كيف تمكنت حفنة من المغامرين الإسبان من إخضاع إحدى أعظم الحضارات العريقة في جنوب امريكا؟ هل كان السبب التفوق الهائل للسلاح الاسباني؟ أم هل كانت الأمراض الأوروبية التي نقلها الغزاة والتي لم يستطع شعب الانكا مقاومتها؟ أم أن هنالك سبب آخر؟هي مجموعة من الأسئلة حيرت علماء التاريخ .
في سياق مماثل، والباحث تحت وطأة هذه الأسئلة ، يظهر الجواب مؤخرا في ليما عاصمة البيرو الحديثة ، حيث أظهرت إحدى الحفريات الجارية في إطار عمليات التنقيب التي بدأت منذ مارس عام 2004، والتي ما زالت مستمرة في إحدى ضواحي ليما تدعى بوروتشوكو Puruchuco على تراب مقاطعة آتي Ate ، حيث أظهرت إشاراتٍ أولى على رواية مغايرة تمامًا ليوميات وتقارير ومذكرات القادة الغزاة من الإسبان، من خلال إكتشاف مقبرة قدمت لنا أول جرح موثق ناتج عن طلق ناري في العالم الجديد، وبالتالي أول دليل يتم العثور عليه لضحايا غزاة بيثارو، وأول بقايا جنائية من معارك الغزو على شعب الانكا!
إلى ذلكــ ، فقد كانت غالبية الجثث الأخرى المكتشفة في المكان تحمل علامات تدل على أقصى درجات العنف، من خلال عثور علماء الحفريات على جماجم مهشمة، بعضها تظهر نموذج من أسلحة شعب الانكا، ووجود هياكل عظمية لمحاربي الأنكا تعرضت لإصابات لم يتم مشاهدتها من قبل في مقبرة تعود إلى شعب الانكا، ولا تشبه الجروح الثاقبة والنظيفة التي يتركها سلاح الغزاة المتطور ذو الحد المعدني الصقيل ، بل هي أقرب إلى جروح ناتجة عن أسلحة أشبه بأسلحة شعب الانكا، كالمضارب الحجرية التي كان قد عفى عليها الزمان في أوروبا منذ أكثر من ألفي عام تقريبًا.
وحسب هؤلاء العلماء الباحثين، فإن الشجاعة والسيوف الحديدية والبنادق الإسبانية ، كانت هي الوسيلة الناجعة التي منحت فرقة صغيرة من الغزاة أفضلية الحربية، ومكنتهم من التغلب على الآلاف حسب ذات اليوميات الاسبانية للغزو، لكنها تقلل من حقيقة جوهرية وهي أنه عند وصول القائد الإسباني بيثارو وغزاته إلى بيرو كانت إمبراطورية شعب الانكا تتهاوى.
ففي العام 1532، سئمت العديد من الامبراطوريات التي يزيد سكانها عن 10 ملايين من حكم الانكا، وكانوا مستعدين جدًا للتحالف مع الإسبان للتحرر من هيمنة شعب الانكا، الذي كان قد توسع قبل عشرات السنين من عاصمته كوسكو، ليسحق القبائل الهندية المختلفة والعديدة في المنطقة.
ومهما يكن ، فقد كانت ضربة حظ تاريخية عظيمة بالنسبة للإسبان الغزاة في صالحهم ، فحتى مع مزاياهم التقنية الحديثة لم يكونوا قوة قتالية هائلة، كما أن الغزاة لم يكونوا جنودًا بالمفهوم الإسباني الحديث بل كانوا مغامرين وآفاقين يحدوهم البحث عن الذهب والكنوز ، والعديد منهم كانوا أميين ومن ضمنهم فرانسيسكو بيثارو ، الذي ليس سوى أحد المزارعين المنحدرين من المناطق النائية في إسبانيا.
إختلافات حول غزو شعب الانكا
لقد إعتمدت رواية الغزو بشكل واسع على الوصف وعلى روايات الغزاة الإسبان ، لدرجة أن تم تأليف نسخة رسمية تصف مَا حدث. إلا أن المؤرخين وعلماء الآثار الحديثين شكّوا أن خلال هذه العملية تم تحريف الأحداث وإسقاط وتغييب الكثير من الوقائع، فكانت اليوميات تحاول تبرير الغزو وتدفع إلى قوة الجيش الإسباني وتخفي الحقائق، وتسعى إلى تعظيم مجد الإسبان على أساس أنهم كانوا الغالبين، والأقوياء ، في حين أن الحقيقة أبرزت أن هؤلاء كانوا يبالغون، حيث تتمادى اليوميات في خلق صورة درامية للصعاب التي واجهها الاسبان وتروم المغالاة في بطولاتهم، لكنها تتجاهل كثيرًا العون الذي قدمه لهم حلفاؤهم الهنود المعارضين لدولة الأنكا .
فقد كان الشاب “أتاوالبا” آخر ملوك شعب الانكا في “كاخاماركا” أعظم هذه المواجهات تلك التي تقع بعد أسابيع فقط من وصول الإسبان إلى كاخاماركا شمال بيرو، حينما عثروا على قوات ملك شعب الانكا أتاوالبا Atahualpa وهم يحتفلون بنجاح إحدى حملاتهم العسكرية. فلم تكن قوات الانكا مستعدة للقتال من جديد ، وهو ما جعل الغزاة الإسبانيين يباغتونهم على حين غفلة ويذبحونهم، ويأخذون ملكهم رهينة، وهو ما دعا بالقائد الإسباني”بيثارو” في أن يطلب فدية من قناطير الذهب مقابل إخلاء سراح الملكـ “أتاوالبا”.
ورغم أن شعب أمبراطورية الأنكا، قد تشجم الصعاب في دفع ماطلبه القائد الإسباني”بيثارو” ، فإن هذا الأخير قرر إعدام الملكـ الشاب، تحت دريعة إعلاء كلمة الديانة الكاثوليكية المسيحية، والحد من عبادة الوثنيين من شعب الانكا للملكـ ، على أساس أنه ينحدر من سلالة الشمس الإله.
وطبيعي، فقد أدخلت عملية إعدام الملك الجميل والوسيم أتاوالبا Atahualpa شعب الأنكا في حالة من الذهول، ودفعت بــ بيثارو في أن يتقدم نحو العاصمة كوسكو التي سرعان ما إستسلمت سريعًا،رغم مقاومات فردية هنا وهناكـ ، لتصبح خلال شهور إمبراطورية شعب الانكا ملكًا للاسبان.
فقد إنسحبت فلول من شعب الانكا إلى مدينة أخرى تدعى “فيلكابامبا “Vilcabamba التي لم يتم العثور عليها إلى يومنا هذا، ولذا يُطلق عليها اسم المدينة الضائعة ، إذ ساد الاعتقاد بدايةً أنها مدينة ماتشو بيتشو ،وبات الأمر يتطلب أربع سنوات لتتكون مقاومة شعب الانكا المسلحة، ولتهاجم في عام 1536 جيوشُ الانكا الغزاةَ الإسبان في كوسكو والمدينة الإسبانية المؤسسة حديثًا والتي ليست سوى مدينة ليما عاصمة البيرو الحالية، وهو ما كان مؤشرا عن إندلاع ثورة الانكا العظيمة.
انتفاضة أخيرة لشعب الانكا
فقد ورد في يوميات الاسبان في العاشر من غشت 1536: أنه بينما يتقدم جيش هندي ضخم على الوادي الساحلي، فرانسيسكو بيثارو الموجود في ليما ، كان فرانسيسكو بيثارو Francisco Pizarro يراقب خائفًا: “فلينقذنا الله من غضب هؤلاء الهنود”. خلال حصار ليما الذي تبع هذا، يُحتمل أن يكون أصحاب الجثث المكتشفة في حفريات مقبرة “بوروتشوكو” قد لقوا حتفهم، وتأكد الطبقات الدالة على الزمن أو التراصف في موقع التنقيب أن بقايا الجثث هي من السنين الأولى للغزو.
حصار ليما عام 1536في غشت 1536 كان عمر مدينة ليما 18 شهرًا فقط، وكانت بيوتها الطينية القليلة مرتبة بنظام شبكي حول المربع المركزي، إستنادًا إلى نفس التقارير والمذكرات واليوميات ، أنه في يوم المعركة إلتئم جيش ضخم يقوده جنرال من شعب الانكا يدعى “كيسو يوبانكي” Quizu Yupanqui، يحكم قبضته على ليما، وكان عددهم يقدر بعشرات الآلاف، فقد كان القائد الأنكي كيسو محمولا ومحاطا بفيالقه، في حين كان بيثارو يمتلك بضعة مئات من الجنود فقط، وكانت كل الاحتمالات في النصر ضد الغزاة الإسبان، غير أن بثارو قرر أن يقامر بكل شيء في هجوم يائس للفرسان، وبما أن الاسبان يحاولون قتل القادة أولاً لأنهم يعلمون أن هذا يحطم الروح المعنوية لجيوش الأنكا، فقد خرق الفرسان الإسبان صفوف جيش شعب الانكا باتجاه كيسو وقادته، ليتراجع القادة الهنود أمام الهجوم الإسباني مما جعل كيسو مكشوفًا وأدى به في أن يُقتل في لحظة، ليتراجع جيش شعب الانكا ، ولتعمُّه حالة من الفوضى! حيث أبرزت في الصورة التي رسمتها التقارير والمذكرات واليوميات، أن حفنة من الاسبان قاموا مرة أخرى وببسالة بدحر جيش هندي ضخم وتم إنقاذ مدينة ليما!!
لكن هل هذا حقيقة ما حدث؟
الدلائل العلمية عن حصار ليما
اليوم وللمرة الأولى يتم إعادة فحص النسخة الأسبانية للأحداث التي وقعت، يعتقد علماء الآثار أن الجثث المكتشفة في مقبرة بوروتشوكو كانت جزءًا من قوات شعب الانكا التي واجهت بيثارو في ذلك اليوم المصيري في غشت سنة 1536، وبينما يبدو أن بضعة وفيات حدثت من جراء الحديد الإسباني، تشير غالبية الوفيات إلى نوع مختلف من الأسلحة، فالعديد منهم تعرض إلى أذى شديد جدًا في نمط غير اعتيادي، حيث كسرت جماجمهم وتحطمت، وحمل آخرون الكثير من آثار إصابات في الوجه وعظام الفك ناتجة عن ضربة من جسم قطره عدة سنتيمترات.
وعلى كل حال فإن مقارنة تلك الإصابات والأضرار مع الأسلحة الموجودة في متحف الذهب في ليما، الذي يحتوي على أكبر مجموعة من الأسلحة التاريخية في بيرو، بما فيها أسحلة إسبانية وأسلحة شعب الانكا، تتطابق العديد من إصابات الرأس والوجه من حيث الحجم والتأثير مع أسلحة شعب الانكا الحجرية بشكل أكيد، وليس مع الأسلحة الحديدية للإسبان، التي قد تسبب إما إصابات حادة وثاقبة، أو إصابات مهشمة بحواف نظيفة! إحتمالية أن الهنود الذين عُثر عليهم في مقبرة بوروتشوكو قتلوا بمضارب حجرية تشير إلى إستنتاج مذهل، وهو أن الغالبية لم يقتلهم الإسبان ولكن قتلهم هنود آخرون. من بين سبعين فردًا من مقبرة بوروتشوكو، ثلاثة فقط يبدو عليهم بوضوح أنهم قد قتلوا بأسلحة إسبانية، وهذا يتحدى ما ذكر في اليوميات بشكل مباشر، إذًا ما هي حقيقة ما حدث في حصار ليما؟
وثائق ليما التاريخية تكشف السر
مكتبة دير سان فرانسيكو في ليماتنتشر على إمتداد بيرو كله، الكثير من المواقع الأثرية والمباني التاريخية الرائعة التي تحتضن وتخبأ الكثير من الكنوز والأسرار المذهلة عن مختلف أزمنة “الأرض الجديدة”، بقيت تروي الكثير من حكايات حقباتها التاريخية، من تلك الأماكن دير سان فرانسيكو في ليما Basílica y Convento de San Francisco de Lima، وهو من الأماكن التي ينصح العلماء الباحثين في هذا الصدد بضرورة زيارتها في ليما، حيث يحفظ أرشيف الرهبان الفرنسيسكان، بالسجلات التاريخية للمستعمرة الإسبانية الأولى في بيرو، ويحتوي على حقيقة أسرار قضية منسية منذ زمن، وقعت أحداثها في ليما بعد الحصار بسنوات عديدة، وتكشف وقائع درامية جديدة على أحداث غشت 1536.
كما أن دير سان فرانسيكو في ليماتشير يشتمل على مثل هذه السجلات، إلى أن بعد سنوات من الثورة قام أحفاد بيثارو بالتنازع على التاج، وكجزء من محاولاتهم في سبيل ذلك، جادلوا أن ثمن حماية ليما من الحصار كان له تأثير كبير على أملاك بيثارو، وأنهم يجب أن يكافئوا على ذلك، لكن التاج لم يوافق على ذلك، فقاموا بجلب الهنود ممن كانوا حاضرين في الحصار للشهادة، وشهد الهنود أن القتال شهد مناوشات صغيرة وليس معركة كبرى، إدعى الشهود أن جيش شعب الانكا كان بالآلاف وليس عشرات الآلاف، ولم يكن هناك هجوم لفرسان بيثارو، وأن الإسبان الذين قاتلوا فعلاً كان يحميهم أعداد كبيرة من الهنود ممن كانوا يقاتلون إلى جانبهم.
حقيقة نهاية شعب الانكا
إكتشاف حقيقة أن غالبية محاربي مقبرة بوروتشوكو قد قتلهم هنود آخرون، يدعم نسخة الأحداث التي ظهرت في المحاكمة، كما أنها تقدم أول دليل علمي على شك المؤرخين، لكنهم لم يتمكنوا من إثباته أبدًا، وهو أن دور الحلفاء الهنود الذي كانت اليوميات تقلل من شأنه باستمرار، كان أساسيًا لنجاح الغزو، ليس فقط في القتال، وإنما كان دورهم مهمًا جدًا للدعم اللوجيستي أيضًا! بطولات الغزاة لم تنقذ ليما، بل أنقذها وصول الجيش الذي أرسلته والدة خليلة بيثارو الهندية الشابة، ومع وصول الهنود من وايلاس Huaylas إلى ليما، يجد جيش شعب الانكا نفسه فجأة في وضع ميؤس منه، لقد مالت كفة الميزان لصالح الاسبان، فيتراجع جيش شعب الانكا في فوضى، ليتبعهم القليل من الإسبان يرافقهم ويحميهم مجموعات كبيرة من المحاربين الذين أتوا من وايلاس، يقع قتال حصار ليما في مناوشات صغيرة حول المدينة، ربما في إحدى هذه المناوشات، لقي محاربي مقبرة بوروتشوكو حتفهم على يد الإسبان وحلفائهم من الهنود.
نهاية شعب الانكا تأثرت بعوامل عديدة تبدأ من الصراع الداخلي، والتنازع على السلطة بين آخر ملوكهم، بالإضافة إلى السخط الشعبي على الطبقة الحاكمة، بسبب الضرائب الباهظة التي فرضت على الطبقات الفقيرة،وعلى ساكنة الأدغال، ناهيك عن انتشار الأوبئة التي جلبها الغزاة معهم، ولم يعتدها شعب الانكا، ولم يمتلك مناعة كافية ضدها، ففتكت بالكثيرين منهم، كلها عوامل أضعفت من شعب الانكا بشكل كبير، وهيأت أجواءً مثاليةً للغزاة، الذين وصلوا في تلك اللحظة المصيرية من ضعف الامبراطورية، وانتهزوا فرصة نقمة الكثير من القبائل الهندية التي هزمها الانكا،والتي كان يقدم أبناؤها كقرابين أثناء المراسيم الدينية للأنكا وكانت مستعدة تمامًا للتآمر مع الغازي، وعقد التحالفات والإتفاقيات العسكرية معه في سبيل التخلص من جبروت وبطش شعب الانكا، فتتالت المعارك وتتالت هزائم الانكا!
وعلى كل حال ، فإن الأرجنتين و البرازيل تعتبران من أهم دول أمريكا الجنوبية مساحة وسكانا،وقد كان يطلق علي السكان الأوائل للقارتين الأمريكتين الهنود الأمريكان ، غير أن أقصي درجة وصلت حضارتهم كانت في بيرو مع الأنكا علي الساحل الغربي لأمريكا الجنوبية.
ومما تشتهر به هذه الحضارات ، أنها لم تعرف المحراث أو العجلة أو دولاب الفخار أو الحديد أو العملة كما كان معروفا في حضارات العالم القديم وقتها.
فقد جاء سكان أمريكا الجنوبية وأمريكا الوسطي من جزر جنوب شرق آسيا حيث عبروا بقواربهم المصنوعة من جذوع الأشجار أو الجلد المحيط الهادئ ، وكانوا من جنس الإنسان العاقل والماهر .
كما كان سكان أمريكا الشمالية قد نزحوا من شمال شرق آسيا، عبر مضيق برينكـ و”ألاسكا” وقد حملوا جميعا أدواتهم وأسلحتهم الحجرية وصنع الإنسان الأول بالأمريكتين منذ 11000 سنة آلاته من عظام البقر والجاموس الوحشي والأحجار التي كان يكسر بها العظام , كما إخترع السكاكين ليقطع بها اللحوم والحراب للقتال وكان يطلق السهام كالقذيفة لإصطياد الطيور والحيوانات . واستعمل الشراك والفخاخ والحبال لصيد الحيوانات حتى عهد كولومبوس الذي يعتبر تاريخيا مكتشف القارة بمجملها .