أصل عبارة “مسخوط للا أعزيزة” في الثقافة الشعبية المغربية

‏ محمد القـنــور :

إختتمت مؤخرا فعاليات اللقاء الجهوي الأول لرابطة كاتبات المغرب فرع أكاديــر والذي استمر على ‏مدى يومين ، تحت شعار “كاتبات سوس ورهان التنمية الثقافية بالجهة” حضرته مجموعة من الكاتبات ‏والإعلاميات والناقدات والشاعرات والباحثات حيث قدمت باللقاء المعني ندوات فكريـة وتواصلية حول ‏الكتابة النسائية وواقع المرأة بجهة سوس ماسة وعلى المستوى الوطني في عالم الإبداع والتصنيف، كما تم ‏تطرقت المشاركات إلى دور القلم النسائي في السياسة والمجتمع، ومدى حضوره وتفاعله وتأثيره على الساحة ‏الجهوية في جهة سوس ماسة خصوصا ، وعلى المستوى الوطني والدولي . ‏
‏ في حين عرفت فعاليات اللقاء الجهوي المذكور مداخلات ومناقشات إنصبت حول الكتابة الرقمية النسائية داخل ‏عالم الأنترنيت، وما باتت تطرحه من تسهيلات وآليات إجرائية وتداولية جديدة ككتابة صارت تفرض وجودها ‏بالساحة الفكرية والأدبية وتتجاوز الحدود الترابية إلى مختلف دول المعمور .‏
إلى ذلك، شهدت الدورة جلسات قراءة لمجموعة من النصوص الأدبية والشعرية والزجلية للمشاركات، تم ‏تقديمها للحضور على إيقاعات موسيقى العود.‏
في ذات السياق، أجمع العديد من المتتبعين لفعاليات اللقاء،على أهميته كمناسبة مكنت المبدعات من الكاتبات ‏والشاعرات والزجالات والناقدات والباحثات في شتى ضروب الفنون التعبيرية، من التواصل وتبادل التجارب ‏الإبداعية والتعريـف بأسمائهن . ‏
وقد خلص المشاركون ضمن فعاليات هذا الملتقى إلى ضرورة الإهتمام بالإبداع النسائي والتنقيب عن ‏أسماء نسائية تبدع في صمت ،والعمل على إبراز جهودها ، كما تم تثمين هذا اللقاء الذي يعتبر الأول من ‏نوعه بمدينة تعرف أسماء وزانة من النساء المبدعات في مجالات تساءل طبيعة الخط السردي والشعري ‏للمرأة، وتتطرق لطبيعة الشحنات الإبداعية من حيث العوالم التخييلية لنفس المواضيع التي يتطرق إليها الرجل، ‏وحدود اختلاف المعاناة الإبداعية وفيما إذا كانت المرأة تستعمل نفس سلوكيات الكتابة الرجالية عن وعي ‏بحدودها أو بدون وعي ثم حول مجالات الجدة في الطرح الشكلي النصي لممارسات المرأة الكتابية ، وأبعاد ‏النص الإبداعي في الأدب النسائي وأسلوبه، ونظراته .‏
كما تعهدت الرابطة بمساعدة كل منخرطاتها في طباعة ونشر أعمالهن، بالإضافة إلى إعداد دليل لكاتبات ‏سوس يجمع طاقاتها الإبداعية ويغني بها الساحة الثقافية بالجهة .‏
هذا، وقد تم إختيار إسم “لالـة أعزيزة تاكرامت” إحدى العالمات المستنيرات والرائدات في سوس ، والمعروفة ‏بــ للا عزيزة بنت إبراهيم السكساوية “الشيشاوية” المرابطية الركراكية، كعنوان للدورة المعنية .‏

وللإشارة، فإن للا أعزيزة بنت إبراهيم السكساوية “الشيشاوية” تعتبر من أبرز أعلام عصر الدولة المرينية في ‏القرن 13 م، تنتسب إلى عائلة سوسية من ذوي العلم والفضل والصلاح ، تعرف بعائلة “أيت علي” ، سكنت ‏براري منطقة سكساوة التي ليست سوى “شيشاوة”حاليا ، وقد نشأت “لالـة أعزيزة تاكرامت” في بيت أهلها ‏وذويها وترعرعت في براري وجبال ومروج مسقط رأسها راعية لمواشي وأغنام والدها، غير أن أحلامها كفتاة ‏فتحت عينيها على رحابة الفضاءات وشساعة الحقول وتنوعات خلق الله تعالى، أذكى طموحاتها وشجعها على ‏طلب العلم والإنكباب على التصوف على الشيخ الكبير الفقيه العارف والحافظ أبي مدين الغوث، فلما حازت ‏‏”لالـة أعزيزة تاكرامت” مبتغاها ونالت مرادها من العلم والمعارف عادت إلى ديارها مواطنة بناءة وفقيهة ‏متصوفة ، عالمة وسيدة تقية ، تعظ الناس وتدبر الصراع بين القبائل والبطون على محجة بيضاء ، وخاصة ‏النساء .‏
وقد عرفت ” لالـة أعزيزة تاكرامت” وإسم “تاكرامت” يعني الفقيهة بالأمازيغية، بنباهتها وتقواها،وفصاحتها ‏وقوة تأثيرها وحسن إجابتها عن ما يعترضهم الرجال والنساء من نوازل فقهية ، ومن أمور الدين والدنيا، فداع ‏صيتها وأصبحت زاويتها المتواجدة على تراب إقليم شيشاوة”حاليا” بالجماعة الترابية التي تحمل إسمها إلى ‏الآن، محجا للطلبة والفقهاء، مقصدا للتبرك وللمتعلمين والناشئة من الفتيان والفتيات ببلاد سكساوة وبلاد سوس ‏الأدنى والأقصى ممن يؤمون زاويتها للاستفادة من علمها والأخذ بفتاويها ونصائحها وإرشاداتها.‏
والرواة والمؤرخين للمنطقة يخبرون بكل هذا، وبأكثر منه، و الشيخ الحافظ الأديب المغربي الكبير محمد ‏المختار السوسي يخبر أن “لالـة أعزيزة تاكرامت” هي سيدة صالحة ناسكة من أهل قبيلة “إيسكساون بأدرار ‏ندرن” وتعني بالأمازيغية ، سكساوة، وهو الإسم العريق لــ شيشاوة، والتي كانت تدخل في عرف الجغرافيين ‏والمؤرخين الأوائل من ضمن بلاد سوس الأدنى كان قد زارها القائد عامر الهنتاتي بجحافل جيشه ، وقد عزم ‏على تأديب قبائل شيشاوة،إذ كان عاملا على مراكش من قبل السلطان المغربي، فإستقبلته “لالـة أعزيزة ‏تاكرامت” على أحسن وجه، وحاورته على خير ما يرام، ثم أمرته بالرجوع فامتثل لأمرها وسمع لها ، لسديد ‏رأيها وقوة تدبيرها، وصدق إيمانها ووطنيتها . ‏
والحق، أن “لالـة أعزيزة تاكرامت” يرحمها الله، كانت سيدة مغربية من أوائل النساء على مستوى العالم ، ممن ‏وطدن ثقافة المصالحة والإنصاف وتدبير النزاع، والمثل الشعبي لايزال يؤكد أن من لا يقبل شروط وحلول ‏تدبيرها للمنازعات، يعتبر “مسخوط للا أعزيزة” ويشاع أمره أن عصي وغير متفهم فبين القبائل ولدى ساكنة ‏المدن والقرى، وفي كل الآفاق. ‏

إلى ذلك، يزخر الجنوب المغربي من سلسلة جبال الأطلس الكبير والأطلس الصغير الى ومن كثبان رمال ‏السمارة إلى خلجان الداخلة بالصحراء المغربية ومن ضفاف وادي درعة وواحات زاكورة الى قلاع وقصبات ‏تافيلالت، ومن قمم الأطلس الكبير والأطلس الصغير إلى شعاب الهضاب و النجود العليا ومن مروج وغابات ‏الحوز وتلكـ السهول المترامية بأغراس اللوز والجوز والتفاح من أعالي إمليل بالحوز إلى بلاد سوس الكبيرة، ‏بأعلام من النساء الفاضلات من مآثر الأميرات الجليلات وتصنيفات الفقيهات الناسكات والمدرسات المربيات، ‏ومؤلفات العالمات المرموقات ومرويات الواعظات البليغات ومناهج المرشدات المؤطرات ، وصيت الحافظات ‏الناسكات والمقرئات المجيدات ، ومحاسن الصالحات والمتصوفات الزاهدات والأديبات ومأثور الشاعرات ‏والناظمات ، والراويات للمحفوظات والأمازيغية والعربية، والنساء التنمويات المؤسسات للمدارس العلمية ‏والمشيدات للمعاهد الدينية منذ قرون، حيث منهن من نالت المقامات السامية، وسارت بذكر جليل أعمالها ‏الركبان، وتناقل أخبارها تجار القوافل والعابرين من الناس للمسالك نحو أداء فريضة الحج، وخلد الناس إكرامهن ‏بإقامة الحفلات الدينية والمواسم وملتقيات المجاورة والعبادة والذكر في مقاماتهن.‏

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.