إختتمت مؤخرا فعاليات اللقاء الجهوي الأول لرابطة كاتبات المغرب فرع أكاديــر والذي استمر على مدى يومين ، تحت شعار “كاتبات سوس ورهان التنمية الثقافية بالجهة” حضرته مجموعة من الكاتبات والإعلاميات والناقدات والشاعرات والباحثات حيث قدمت باللقاء المعني ندوات فكريـة وتواصلية حول الكتابة النسائية وواقع المرأة بجهة سوس ماسة وعلى المستوى الوطني في عالم الإبداع والتصنيف، كما تم تطرقت المشاركات إلى دور القلم النسائي في السياسة والمجتمع، ومدى حضوره وتفاعله وتأثيره على الساحة الجهوية في جهة سوس ماسة خصوصا ، وعلى المستوى الوطني والدولي . في حين عرفت فعاليات اللقاء الجهوي المذكور مداخلات ومناقشات إنصبت حول الكتابة الرقمية النسائية داخل عالم الأنترنيت، وما باتت تطرحه من تسهيلات وآليات إجرائية وتداولية جديدة ككتابة صارت تفرض وجودها بالساحة الفكرية والأدبية وتتجاوز الحدود الترابية إلى مختلف دول المعمور . إلى ذلك، شهدت الدورة جلسات قراءة لمجموعة من النصوص الأدبية والشعرية والزجلية للمشاركات، تم تقديمها للحضور على إيقاعات موسيقى العود. في ذات السياق، أجمع العديد من المتتبعين لفعاليات اللقاء،على أهميته كمناسبة مكنت المبدعات من الكاتبات والشاعرات والزجالات والناقدات والباحثات في شتى ضروب الفنون التعبيرية، من التواصل وتبادل التجارب الإبداعية والتعريـف بأسمائهن . وقد خلص المشاركون ضمن فعاليات هذا الملتقى إلى ضرورة الإهتمام بالإبداع النسائي والتنقيب عن أسماء نسائية تبدع في صمت ،والعمل على إبراز جهودها ، كما تم تثمين هذا اللقاء الذي يعتبر الأول من نوعه بمدينة تعرف أسماء وزانة من النساء المبدعات في مجالات تساءل طبيعة الخط السردي والشعري للمرأة، وتتطرق لطبيعة الشحنات الإبداعية من حيث العوالم التخييلية لنفس المواضيع التي يتطرق إليها الرجل، وحدود اختلاف المعاناة الإبداعية وفيما إذا كانت المرأة تستعمل نفس سلوكيات الكتابة الرجالية عن وعي بحدودها أو بدون وعي ثم حول مجالات الجدة في الطرح الشكلي النصي لممارسات المرأة الكتابية ، وأبعاد النص الإبداعي في الأدب النسائي وأسلوبه، ونظراته . كما تعهدت الرابطة بمساعدة كل منخرطاتها في طباعة ونشر أعمالهن، بالإضافة إلى إعداد دليل لكاتبات سوس يجمع طاقاتها الإبداعية ويغني بها الساحة الثقافية بالجهة . هذا، وقد تم إختيار إسم “لالـة أعزيزة تاكرامت” إحدى العالمات المستنيرات والرائدات في سوس ، والمعروفة بــ للا عزيزة بنت إبراهيم السكساوية “الشيشاوية” المرابطية الركراكية، كعنوان للدورة المعنية .
وللإشارة، فإن للا أعزيزة بنت إبراهيم السكساوية “الشيشاوية” تعتبر من أبرز أعلام عصر الدولة المرينية في القرن 13 م، تنتسب إلى عائلة سوسية من ذوي العلم والفضل والصلاح ، تعرف بعائلة “أيت علي” ، سكنت براري منطقة سكساوة التي ليست سوى “شيشاوة”حاليا ، وقد نشأت “لالـة أعزيزة تاكرامت” في بيت أهلها وذويها وترعرعت في براري وجبال ومروج مسقط رأسها راعية لمواشي وأغنام والدها، غير أن أحلامها كفتاة فتحت عينيها على رحابة الفضاءات وشساعة الحقول وتنوعات خلق الله تعالى، أذكى طموحاتها وشجعها على طلب العلم والإنكباب على التصوف على الشيخ الكبير الفقيه العارف والحافظ أبي مدين الغوث، فلما حازت ”لالـة أعزيزة تاكرامت” مبتغاها ونالت مرادها من العلم والمعارف عادت إلى ديارها مواطنة بناءة وفقيهة متصوفة ، عالمة وسيدة تقية ، تعظ الناس وتدبر الصراع بين القبائل والبطون على محجة بيضاء ، وخاصة النساء . وقد عرفت ” لالـة أعزيزة تاكرامت” وإسم “تاكرامت” يعني الفقيهة بالأمازيغية، بنباهتها وتقواها،وفصاحتها وقوة تأثيرها وحسن إجابتها عن ما يعترضهم الرجال والنساء من نوازل فقهية ، ومن أمور الدين والدنيا، فداع صيتها وأصبحت زاويتها المتواجدة على تراب إقليم شيشاوة”حاليا” بالجماعة الترابية التي تحمل إسمها إلى الآن، محجا للطلبة والفقهاء، مقصدا للتبرك وللمتعلمين والناشئة من الفتيان والفتيات ببلاد سكساوة وبلاد سوس الأدنى والأقصى ممن يؤمون زاويتها للاستفادة من علمها والأخذ بفتاويها ونصائحها وإرشاداتها. والرواة والمؤرخين للمنطقة يخبرون بكل هذا، وبأكثر منه، و الشيخ الحافظ الأديب المغربي الكبير محمد المختار السوسي يخبر أن “لالـة أعزيزة تاكرامت” هي سيدة صالحة ناسكة من أهل قبيلة “إيسكساون بأدرار ندرن” وتعني بالأمازيغية ، سكساوة، وهو الإسم العريق لــ شيشاوة، والتي كانت تدخل في عرف الجغرافيين والمؤرخين الأوائل من ضمن بلاد سوس الأدنى كان قد زارها القائد عامر الهنتاتي بجحافل جيشه ، وقد عزم على تأديب قبائل شيشاوة،إذ كان عاملا على مراكش من قبل السلطان المغربي، فإستقبلته “لالـة أعزيزة تاكرامت” على أحسن وجه، وحاورته على خير ما يرام، ثم أمرته بالرجوع فامتثل لأمرها وسمع لها ، لسديد رأيها وقوة تدبيرها، وصدق إيمانها ووطنيتها . والحق، أن “لالـة أعزيزة تاكرامت” يرحمها الله، كانت سيدة مغربية من أوائل النساء على مستوى العالم ، ممن وطدن ثقافة المصالحة والإنصاف وتدبير النزاع، والمثل الشعبي لايزال يؤكد أن من لا يقبل شروط وحلول تدبيرها للمنازعات، يعتبر “مسخوط للا أعزيزة” ويشاع أمره أن عصي وغير متفهم فبين القبائل ولدى ساكنة المدن والقرى، وفي كل الآفاق.
إلى ذلك، يزخر الجنوب المغربي من سلسلة جبال الأطلس الكبير والأطلس الصغير الى ومن كثبان رمال السمارة إلى خلجان الداخلة بالصحراء المغربية ومن ضفاف وادي درعة وواحات زاكورة الى قلاع وقصبات تافيلالت، ومن قمم الأطلس الكبير والأطلس الصغير إلى شعاب الهضاب و النجود العليا ومن مروج وغابات الحوز وتلكـ السهول المترامية بأغراس اللوز والجوز والتفاح من أعالي إمليل بالحوز إلى بلاد سوس الكبيرة، بأعلام من النساء الفاضلات من مآثر الأميرات الجليلات وتصنيفات الفقيهات الناسكات والمدرسات المربيات، ومؤلفات العالمات المرموقات ومرويات الواعظات البليغات ومناهج المرشدات المؤطرات ، وصيت الحافظات الناسكات والمقرئات المجيدات ، ومحاسن الصالحات والمتصوفات الزاهدات والأديبات ومأثور الشاعرات والناظمات ، والراويات للمحفوظات والأمازيغية والعربية، والنساء التنمويات المؤسسات للمدارس العلمية والمشيدات للمعاهد الدينية منذ قرون، حيث منهن من نالت المقامات السامية، وسارت بذكر جليل أعمالها الركبان، وتناقل أخبارها تجار القوافل والعابرين من الناس للمسالك نحو أداء فريضة الحج، وخلد الناس إكرامهن بإقامة الحفلات الدينية والمواسم وملتقيات المجاورة والعبادة والذكر في مقاماتهن.