أبو العباس السبتي : قطب صوفي تحت المجهر
محمد العمراني أمين :
هل كان لأبي العباس السبتي موقف محدد من الثروة، ومن التملك الفاحش لها؟
هل كان لأي العباس السبتي وهو المؤسس الأول لمجتمع مدني بمراكش، موقف متميز في مجالات التوحيد والمعرفة العلمية عامة؟
هل كان لأبي العباس مشروع إحساني متعدد المعالم والواجهات؟
هذه بعض الأسئلة التي أجاب عنها بتفصيل الدكتور أحمد التوفيق ، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية في ندوة أبي العباس السبتي ومشروعه الإحساني، والتي نظمها المجلس العلمي المحلي لمراكش، بكلية اللغة العربية مؤخرا.
يعتبر الدكتور أحمد التوفيق أن المجلس العلمي المحلي التابع للمجلس العلمي الأعلى ، وهو مؤسسة دستورية ، إذ يقيم ندوة حول أبي العباس السبتي ، أمرا يكتسي أهمية كبرى في هذا الوقت بالذا، فالأمر يتعلق بشخص له ضريح وقبة ومزار ، بطرح إشكالا في مسألة التمييز بين العالم والمتصوف .
بل ماهو العلم في الإسلام ؟
يجيب أنه جملة معارف، ويعتبره صناعة يمكن أن يحملها الإنسان بغض النظر عن دينه وعن أخلاقه .
والعالم في الإسلام من له معارف في الدين ولديه موقف وإلتزام أول يكمن في توحيدالله وعدم الإشراك به ، ويكون سلوكه مطابقا لعلمه ، وهؤلاء الأشخاص هم من يعرفون بالصوفية ، وهم من سعوا إلى تحقيق التوحيد في سلوكهم، لكون التوحيد عندهم وصل بين العلم والتوحيد والسلوك .
هذا، ومن خلال الإحتفاء بشخص أبي العباس السبتي المشهود له بالعلم وبالتوحيد يقوم المجلس العلمي بتصحيح شرخ في إنفصام الشخصية الإسلامية.
فالصوفية قامت على أساس التوحيد المتحقق في الذات، وهنا تكمن الأهمية في المشروع التوحيدي لأبي العباس السبتي ، والسلوك ثابت أساسي وليس كماليا .
لقد كان أبو العباس السبتي في نفس الوقت، صاحب مذهب في التضامن وصاحب مذهب في التوحيد ، وبخصوص رأيه في الثروة وتملكها ، يعتبر السبتي أن تحرر الإنسان لايتم إلا بتحرره من الثروة التي تتملكه متوهما أنه يملكها، بل وقد دعا السبتي إلى التصدق تسعة أعشار مما يربح الشخص ، ويحتفظ بالعشر الأخير حتى يتحرر من عبوديته لثروته ، حتى قال لأحدهم لا أريد أن أملك بكسر اللام ، حتى لا أملك بضم الهمزة وفتح اللام، فالتوحيد في نظر السبتي هو البر الأعظم ، والتخلص من السعي إلى التملك هو مذهبه في التوحيد والسلوك ، أي العمل به .
وعليه فإن التوحيد في فكر أبي العباس السبتي ليس علما مجردا عن الذات.
وفي إستطراد يشير الدكتور أحمد التوفيق إلى إلى أن الدول الإسكندنافية اليوم تسعى إلى أن تصبح الضريبة تصاعدية كي تبلغ 60 في المئة من الأرباح، فالفقر ماهو سوى نتيجة للتفاوت الظالم الناتج عن الإثراء ، إذ أن أبا العباس السبتي هو مفكر صوفي وقطب يفتح بابا في التوحيد وبابا في العرفان ، وهذا البعد الإجتماعي هو ماغلب على أهل التصوف في المغرب .
لقد تنبه المفكر أبو الوليد إبن رشد إلى أمر أبي العباس السبتي فبعث من قرطبة بأبي عبد الرحمان الخزرجي ليرفع له من مراكش، تقريرا عن السبتي وقد إشتهر في عاصمة الموحدين وقتها، فعاد الخزرجي لإبن رشد بخلاصة ما تزال إلى اليوم راسخة في المأثور مفادها : أن “هذا رجل مذهبه أن الوجود ينفعل بالجود”وعندما يأتيه شخص يشكو شيئا ينصحه بالتصدق معتقدا أن آفة الوجود هي الشح والبخل”هذا الأخير الذي يأتي من الظلم .
وقد رفع الفقراء شعارا يقول : نحن الفقراء لانملك شيئا ، والفقراء بمعنى أعمق هم المتصوفة الذين يدعو الدكتور التوفيق كي يتصالح معهم علماء المسلمين ، ويضيف التوفيق أن العلماء المغاربة هم في نفس الوقت أصحاب قيم دنيوية ومذهب السبتي يسعى لتحقيق العدل بإستمرار ، وهذا يشمل كل الفئات الداخلة في دائرة الفقر ، ويختم التوفيق عرضه بما يفهم منه أن مذهب السبتي لم يستمر إلى درجة أن النهاية الأليمة للسبتي كانت عندما قام بعض الحرفيين بتكفيره، الأمر الذي يقضي ضرورة قيام جهود حثيثة لأجل إكتشاف قيمنا الحقيقية، ونشير إلى أن الندوة في جلستها المسائية الثانية ترأسها الدكتور أحمد شحلان ، وألقيت خلالها عروض قيمة لعل من أبرزها عرض الأستاذ محمد الأمراني حول الجود والوجود، وعرض الأستاذة مالكة العاصميحول أبي العباس وتجربة المجتمع المدني، وألقيت في مجموع أكثر من عرضا ومبحثا سواء في السياق التاريخي لهذه المرحلة، أو في موضوع الرجالات السبعة بمنظور غني وشمولي ، إنتهت بإقامة حفل لتكريم الأستاذين محمد عز الدين المعيار رئيس المجلس العلمي المحلي لمراكش، والدكتور أحمد شحلان الباحث البارز في الدراسات الشرقية والمخصص في اللغة العبرية.