عباس صلادي الفنان التشكيلي المغربي ، فقيرا في حياته، ومليونيرا في مماته

مـحـمــد القـنــور :

جميل ومفيد هو ما قامت به كل من جمعية شمس تانسيفت للصحة النفسية وفرع نادي اليونيسكو بمراكش، من حلال تنظيمهما لندوة “حول سيكولوجية الإبداع عند المريض النفسي، ومن خلال طرح نموذج الفنان التشيكيلي المغربي الراحل عباس صلادي …وأكثر جمالا وأشد إفادة أن تجتمع ثلة من الأطباء والطبيبات والجمعويين والجمعويات والإعلاميات والإعلاميين والمثقفات والفنانات والمثقفين و النقاذ والتشكيلين لنقاش العلاقة بين العلم والفن، وبين الطب واللون، وبين النفس والآخر وبين الحياة والموت ، وبين الواقع والإبداع .من خلال إستحضار روح الفنان التشكيلي المغربي الراحل عباس صلادي ، ومناقشة تجربته الفنية، ومأساته الحياتية، وأثر ذلك على مساراته قلبا وقالبا، إبداعا ومواقف .

عباس صلادي

فقد ولد عباس صلادي في وسط شعبي قرب الضريح العباسي بمدينة مراكش فكأني به يرحمه الله ، ولد ليكون حزينا وليظل حزينا، طيلة 42 سنة هي كل عمره ، وقد إلتقيته في مطلع شبابي بساحة جامع الفنا، في يوم غائم ماطر، وقد ترك المطر الساقط بضعة بركـ صغيرة في الشارع هنا وهناكـ ، إذ كان يعرض بعض لوحاته رفقة السيدة المحترمة شقيقـته، التي كانت سنده الوحيد، على المارة والناظرين بشارع الأمراء ، وكان من منهم ينتبه ومن لا يفعل ، ومن يقف ليشاهد ومن لايقف، ولكن مهما يكن من الأمر ، فإن لا أحد كان ينتبه أن الراحل صلادي كان يؤسس بكل خفقات قلبه، وترانيم روحه، وترسانة أحلامه، لتيار جديد في التشكيل المغربي المعاصر والعالمي ، تيار إنبثق من الهواجس والسكنات والعثرات والإخفاقات وتلك الروح المسكونة بنيران الطيف الأبدية ، التي ليست سوى روح صلادي .

والواقع ، أني كنت أراه ، وكأن طيور الأسى القادمة من التلال الرمادية تعشش في قلبه ، كان مرتعدا وصامتا يكاد صمته ينفجر من عينيه ألوانا وكائنات، أشباحا وأساطير ، قيما وظلالا، كأنه يعيش مع من لا يحب، و يتنفس ما لا يريد، و يرسم ما يفهمه وحده ، و يبدع بقيمة له لا تنتظر تثمينا ولا تصفيقا من أولائك المارة وأولائك الناظرين.
كان صلادي باردا كقمم الأطلس الكبير، قاتما كالمآسي، وساكنا مثل ليل أطلال قصر البديع ، إذ تغادره أهازيج الفلكلور وصخب الزوار والسياح يترجم مأساة من مآسي الحياة في لوحاته .
وقد سألته مرة رحمه الله ، لاحقا ، مـــا تلك الشخوص التي تضعها في اللوحات ياعبــــاس ؟ “
فأجابني : هي شخوص أنا أراها سي محمد …


ومهما يكن ، فقد باع عباس صلادي (1950-1992) لوحاته لشراة بثمن بخس، وكانوا في لوحاته من الزاهدين ، ليتمكن من شراء علب سجائره الرديئة ، كان المنظر قاسيا وساخرا ، مؤلما وهازئا مفعما بالشجن ومفهوما ، وقد رحل عباس صلادي عن دنيانا حزينا كما قدم إليها وليدا جديدا وحيدا ذات مساء ، يتجول بين السحب دون أن يضع قدميه على الأرض .


والآن ، ومن سخرية الأقدار ، وإلى حدود الصيف الماضي، فقد بيعت لوحات للفنان التشكيلي المغربي عباس صلادي بملايين الأوروهات في مختلف مزادات الفن التشكيلي بعواصم أوروبا …

وجرت قبل شهور عملية بيع لوحة بعنوان “الهدية” للرسام المراكشي المغربي الراحل عباس صلادي في دار المزادات وصلت إلى “المليون” أورو بباريس بما يعادل 10 ملايين و 83 ألف و 847 درهم ، فيما شكل سعرا قياسيا .
يا لـــتقلبات الحياة ..
عباس صلادي … الفنان التشكيلي المغربي ، فقيرا في حياته، ومليونيرا في مماته .

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.