على خطى العثمانيين عبر الهلاليات و”الكابتشينو” في فيينا

ســعـــاد تـقـيـف :

من فـيــيـنا – النمـسا :

كانت الدولة العثمانية قد وصلت خلال القرن السابع عشر إلى أوج عظمتها، وهي تقرع أسوار مدينة فيينا في النمسا شمالاً بمدافعها، لكنها لم تستطع التقدم أكثر من ذلك رغم حصار المدينة الحالمة بسبب فصل الشتاء وتراكم الثلوج، حيث كانت هذه الحرب نهاية لتقدُّم الأتراك العثمانيين في أوروبا الوسطى.

ومباشرة بعد هذا الحصار ، ظهرت حكايات وأساطير مثيرة للاهتمام، تتعلق بابتكار عدد من الأطعمة وتناولت بعض المباحث السوسيولوجيا والتاريخية الطريقة التي سُميت بها؛ من أبرزها: الكرواسون، والكابتشينو، وخبز الباغيت الفرنسي “الكومير” – باللغة باللهجة المغربية- .

فإنبثقت أدلة قوية جداً تدعم صحة بعض ماورد في الكتابات التاريخية المعنية ، التي تفيد أنه أثناء الحصار لمدينة فييــنا، بدأ العُثمانيون يحفرون نفقاً تحت المدينة، وفي ساعات الصباح الأولى كاد الجنود العثمانيون يحققون النجاح الكامل في حفر النفق المؤدي لداخل المدينة المحاصرة، وفي أثناء نوم أهل المدينة سمع خبّازٌ أصوات معاول وفؤوس الحفر تأتي من الأسفل، وبناءً على ذلك أخبر قادة جيش النمساويين، مما أدى  في وقوع الكثير من القتلى من الجنود العثمانيين حينها، ممن طمر عليهم النمساويون كل المنافذ .
وبعد الحصار، سُئل الخباز ما إذا كان يريد جائزة، فكان طلبه أن  يصنع شطيرة كعكـ على شكل هلال تخليداً لما فعله وكان الهلال شعار الدولة العثمانية آنذاك، فأراد الخباز أن يتَذكر النمساويون وكل الأوروبيون دائماً الهزيمة كلما قضموا أو أكلوا الهلال العثماني المصنوع من العجين،أو من العجين المخلوط بالشكولاطة والزبيب لاحقا، فتمت تسمية هذا الكعك بالهلال أو “الكرواسون”، وبهذه الطريقة ظهر الكرواسون ، وبات يؤتث كل موائد الإفطار في مختلف دول العالم المعاصر.
وجاءت تسميته هذه الشطيرة بالكرواسون، كما تعرف هذه الكعكة في فرنسا بـ viennoiserie .
أما بخصوص خبز الباغيت الفرنسي، فإنه صُنع خصيصاً لـ ليش سوفاريلري  Leh süvarileri ؛ أي الفرسان البولونيين الذين أتوا لتقديم المساعدة في أثناء حرب فيينا ضد العثمانيين .
والمقصود بـ”لهستان” (Lehistan) دولة بولونيا اليوم والتي تعتبر بولونيا واحدة من الدول المهمة التي غيرت مسار الحرب ضد الدولة العثمانية زمن السلطان سليمان القانوني، وتجمع مجمل المصادر التاريخية الأوروبية وحتى بعض العربية أن لحاق الفرسان البولونيين  لمساعدة النمساويين، حيث كان له يد أساسية في إنقاذ فيينا.
فقد صُنع الباغيت الفرنسي لأول مرة، وبشكل خاص، للاحتفال بانتصار الملك النمساوي سوبيسكي ، وكذا من أجل تكريم الفرسان المدافعين وراء أسوار فيينا ضد الجيوش الإنكشارية العثمانية ، وقد تم تجهيز “الباكيت” على شكل رماح رقيقة طويلة.
أما فيما يخص “القهوة بالحليب” أو مايعرف عالميا بــ “الكابوتشينو” فيعود إلى  نهاية حصار مدينة “فيينا النمساوية، حيث تؤكد المصادر التاريخية أن الجيش النمساوي  وُجد ضمن ماخلفه العثمانيون بعد إنسحابهم من الحصار أكياسا مليئة بالقهوة، ونظرا لقلة الحليب بفعل لحصار، عمد النمساويين إلى إستغلال هذه القهوة وخلطها بالحليب.
وكان  الدبلوماسي فرانسيسزك جيرزي، وهو من أصل أوكراني ويعمل تاجراً في الوقت نفسه، قد افتتح أول مقهى في فيينا باستخدام القهوة التي خلفها العثمانيون.

تلى ذلك ظهور الكابتشينو المختلط بالعسل واللبن على يد راهب من أصول إيطالية يدعى “كابتشين” للتخفيف من ثقل مذاق القهوة ، فأخذ أهالي فيينا يخلطونها مرة بالعسل ومرات أخرى بالحليب ، فأصبح لونها بنياً فاتحاً كلون الزي الذي يرتديه الرهبان الكابوتشين، فسماه أهالي فيينا عندئذ كابتشينو؛ تكريماً للراهب كابتشين، الذي عمل على إذكاء حماسة الجيوش وحارب ضد  الأتراكـ العثمانيين آنذاك.
تعود أصول هذه الأطعمة والمشروبات الثلاث والتي نالت قدر من التميز والشهرة في العالم إلى حصار العثمانيين لمدينة فيينا الموجودة في أقصى حدود العالم المسيحي الأوروبي آنذاكــ .

 

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.