المحقق الباحث محمد العلمي الوالي ذاكـ الغائب الحاضر
هاسبريس :
صدرت مؤخرا، عن “دار أبي رقراق للطباعة والنشر”، الطبعة الأولى لكتابين يحملان عنواني ”أرج وفاء.. محمد العلمي الوالي الباحث والكتبي المحقق”، و”عاشق الكتب”، الذي وفاته المنية يوم 28 أكتوبر 2015، وذلك بمناسبة مرور سنة على رحيل هذا المثقف العالم والكتبي الرائد ، الذي لم يأل جهدا طيلة حياته في خدمة الثقافة والكتاب، نشرا وتحقيقا وتدقيقا.
ويضم الكتاب الأول، الواقع في 286 صفحة، من القطع المتوسط، شهادات شارك بها ثلة من الأساتذة والأصدقاء والمحبين والمريدين في أمسية التأبين التي نظمتها جمعية رباط الفتح للتنمية المستدامة بتعاون مع أسرة الفقيد، بمناسبة الذكرى الأربعين لوفاة الأستاذ الباحث محمد العلمي الوالي، بمقر الجمعية، يوم الخميس 10 دجنبر 2015.
كما يضم الكتاب، الذي أعده للنشر كل من مصطفى الجوهري والصديق بوعلام، وتم تزيينه بالعديد من الصور التي تعكس انشغال الراحل بالكتب والشأن الثقافي عموما، “شهادات تعذر على أصحابها حضور حفل التأبين، فأبوا إلا أن يوافوا اللجنة المشرفة بكتاباتهم”، فضلا عن دراسات وشهادات ألقيت خلال أشغال اللقاء التأبيني، الذي نظم بمعهد الدراسات والأبحاث للتعريب يوم 22 يناير 2016، تحت شعار “ذكرى الفقيد الباحث محمد العلمي الوالي”.
وجاء في مقدمة الكتاب، الذي خصص ملحقا ضم “ما تيسر جمعه من قصاصات أخبار ومقالات هامة بمناسبة هذا الحدث الجلل”، تم استقاء نصوصها من بعض الجرائد الوطنية، أن الشهادات في حق الراحل محمد العلمي الوالي “تجمع على أنه كان مثقفا مستنير الفكر متشبثا بمبادئ الإسلام وقيمه، خادما للعلم والعلماء والأدب والأدباء، وطلبة العلم وعشاق الأدب، وعموم الباحثين لم يدخر في سبيل ذلك جهدا، و لا وقتا…”.
فالرجل “لم يكن هدفه من فتح المكتبات وبيع الكتب تجارة الدنيا، بل كان هدفه أسمى من ذلك: التجارة الرابحة التي يؤثر صاحبها ما يبقى على ما يفنى”، بحسب ما كشفت عنه العديد من الشهادات في حق الراحل، ومن بينها شهادات لثلة من العلماء الأجلاء والباحثين الأكفاء والأكادميين والإعلاميين المرموقين والشخصيات الفذة، من أمثال عباس الجراري وبنسالم حميش وعلي الصقلي ومحمد مصطفى القباج والصديق معنينو وعبد الرحمن الملحوني وعبد الكريم بناني ومحمد الفران، وغيرهم كثير.
وفي هذا السياق، يقول الباحث في الثقافة والآداب المغربيين، الدكتور عبد الإله لغزاوي، في شهادة شاملة في حق الراحل، إن محمد العلمي الوالي “سعى جاهدا إلى طبع الكتب ونشرها وإنشاء المكتبات وتزويدها بالذخائر والأمهات ومواكبة الأنشطة الثقافية من حوله بقصد الاستفادة من علومه المتدفقة، ومعارفه العميقة، وتوجيهاته الدقيقة…”.
فالراحل، يضيف الدكتور لغزاوي، “أبلى البلاء الحسن في خدمة العمل الثقافي والرفع من شأنه والسعي إلى دعمه بكل ما أوتي من قوة وجهد (…) وفي هذا النطاق حول مكتبته إلى ناد ثقافي لمناقشة مختلف القضايا العلمية ، فكان عشاق المعرفة من مختلف الشرائح يهرعون إليه”.
أما الكتاب الثاني الموسوم ب”عاشق الكتب..مقالات ودراسات الباحث الأستاذ محمد العلمي الوالي رحمه الله”، الواقع في 238 صفحة من القطع المتوسط، فيضم المقالات والدراسات والأبحاث التي أنجزها الراحل في مختلف صنوف المعرفة والآداب، سواء “كانت عبارة عن مقدمات صدر بها مؤلفات قامت “دار أبي رقراق” بنشرها، أو شارك بها في بعض الكتب مع ثلة من الباحثين، أو مقالات وضعها أصلا حول قضية أو شخصية أو عمل من الأعمال الفكرية أو التاريخية”.
وهكذا، ضم هذا الكتاب، الذي أعده وقدم له الصديق بن محمد بن قاسم بوعلام، مقالات ودراسات وأبحاث حول أعلام الفكر الإسلامي المعاصر المهدي بن عبود، ورشدي فكار ، والتراث تصدير تحقيق كتاب معراج الراقي لألفية العراقي… وتحقيق “مدخل تاريخي تمهيدي إلى كتاب مفاكهة ذوي النبل والإجادة حضرة مدير جريدة السعادة” و”التاريخ والدراسات الأندلسية من خلال تصدير الطبعة الثانية لكتاب مساهمة في البحث عن زوايا بني يزناسن: القادرية البودشيشية نموذجا…
كما يضم الكتاب دراسات ومقالات أخرى في مجالات الاستشراق والحركة الوطنية والأدب المعاصر، بالإضافة إلى مقالين كتبا في حياة الفقيد، بعنوان “السيد العلمي يمسك بالمقص في النهار وبالقلم في الليل… الخياط المثقف ..حالة فريدة في المغرب” للأستاذ حسن الرميد، و”مفاكهة ذوي النبل والإجادة” للأستاذ أحمد بابانا العلوي.
وعن إسهامات الراحل في هذا الجانب من النشاط الثقافي والمعرفي، يقول الدكتور لغزاوي، إن محمد العلمي الوالي وضع مقدمات لعدة كتب، وبادر إلى التعريف بأعمال شخصيات مرموقة والتنويه بجهودها والإدلاء بشهادات في حقها، كما انبرى، على هامش التعريف بالإصدارات الجديدة التي كانت تؤثث فضاء المشهد الثقافي المغربي، لانتاج خطاب شمولي يقدم من خلاله قراءة فاحصة ودقيقة لمضمونه ومحتواه وما يستم به من أهمية.
كما كان الفقيد الراحل، محمد العلمي الوالي بحسب الدكتور لغزاوي، موضوع السجال والردود والتقويم، ودافع بحماس وحرارة على فكرة بعث التراث الإسلامي وإحيائه بالتعريف والدراسة والتحقيق والنشر، ليخلص إلى القول إن الراحل “جسد شخصية متفردة في أخلاقه ونبوغه وكفاءته العلمية والمهنية، وسيخلد له التاريخ ما بذله من جهود متضاعفة في سبيل خدمة الكتاب والنهوض بالثقافة على المستوى النظري والعملي، فهو كتبي عالم ووراق باحث، وباحث مثقف …”.
و يذكر أن الراحل محمد العلمي الوالي ولد بمدينة فاس سنة 1940، وبها نشأ وترعرع، والتحق بالكتاب حيث حفظ ما تيسر من القرآن الكريم وتعلم مبادئ اللغة العربية، ثم التحق بجامعة القرويين، وبعد ذلك انتقل إلى متابعة دراسته بكلية الحقوق بالرباط، ثم بالمدرسة الوطنية سنة 1964.
وعرضت عليه بعد تخرجه عدة وظائف حكومية، وكان يؤمن إيمانا راسخا بأن القصد هو طلب العلم لا الحصول على الوظيفة، لذلك لم يتابع العمل في الوظائف التي عرضت عليه، مفضلا التفرغ للعمل الحر “التجارة الحرة” لكنه ظل شغوفا بالدراسة والقراءة والكتابة والبحث العلمي، مما أتاح له تأسيس مكتبات رائدة في مدينة الرباط.
وظل الراحل يواصل البحث والدراسة وخدمة العلم والمعرفة ونشر الكتاب وجمع شمل المثقفين والعلماء في مكتبته “عالم الفكر”، كما كان ينشر مقالاته في الصحف والمجلات إلى أن إنتقل إلى جوار ربه.