للا زهرة بنت الكوش، حمامة المحبة الربانية من مراكش للعالم
مـحـمــد القـنــور :
هي العذراء للازهرة الكوش وقد إعتبرتها مجمل الدراسات الأكاديمية المختصة والمراجع التاريخية فقيهة ، وعلما نسائيا مغربيا ودوليا من أعلام التصوف المغربي خلال القرن الحادي عشر الهجري في بلاد المغرب الأقصى، وتذكر الراويات أنها كانت جميلة وطاهرة وكريمة ، وكانت مع كل ذلكـ فتاة وسيدة حسنة المظهر إلا أنها لم تتزوج قط ، فقد أعرضت عن الزواج وعن متاع الدنيا ولهذا اشتهرت بلقب “العذراء” حتى توفيت 1027 هـجرية الموافق لسنة 1618 ميلادية وضريحها شهير بمراكش على أعتاب جامع الكتبية.
فقد ولدت بمدينة مراكش، والدها الشيخ المجاهد سيدي عبد الله الكوش الذي واجه البرتغاليين، في حين تنحدر والدتها من عائلة فاسية إشتهرت بالعلم والتقوى، فعاشت للا زهرة في نهاية القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر الميلادي. ونشأت في مراكش ، داخلة بيئة صوفية جزولية، تستلهم من معين أفكار ومسالك الولي القطب سيدي محمد بن سليمان الجزولي، أحد رجالات مراكش السبعة، ومن معين تلاميذته ومريديه، فتشبعت بمبادئ وقيم والدها وزاويته،من جهة، وبمحيطها العلمي الخارجي من جهة ثانية،من خلال تلك المدارس والزوايا والحلقات الصوفية التي شكلت فرعا عن مجموعة الزوايا الجزولية .
فأخذت للا زهرة العلم ومعارف عصرها عن أبيها عبد الله الكوش، الذي لقنها أصول الشريعة الإسلامية و الفقه وعلوم اللغة والقراءات، فكان شيخها الرئيسي ومعلمها الأول في التربية الروحية و الصوفية والمدارك العرفانية ، كما تأثرت بشخصيات نسائية أغلبهن زاهدات متصوفات من عصرها .
ومهما يكن، فإن معظم المؤرخين، يجزمون أن الولية الربانية للازهرة الكوش ، كانت تقطن على مسافة قريبة من جامع الكتبية في مراكش، ويتفقون حسب الروايات المتواثرة أن والدها كان رجلا عالما عارفا كريما شهما، وأنه كان يطعم ألفين ومئتي شخص من الفقراء والمساكين وأبناء وبنات السبيل ممن يفيدون على مراكش .
مما جعل والدها العالم المتصوف يكتسب شهرة غطت الآفاق ، تناقلتها القوافل التجارية، وجحافل الناس ، وأخبر بها رواد العلم من الطلبة والشيوخ ، وجعلت السلطان السعدي زيدان بن أحمد المنصور يحتاط منه، ويخشى من صعود نجمه .
وكانت للازهرة الكوش تقيم حلقات نقاش وذكر وعلم وتوعية وتحسيس بين النساء ممن يحضرن دروسها وتحدثهنّ عن مزايا الجهاد ضد البرتغاليين، وأهمية تحرير الثغور من ربقتهم. فسرعان ما بلغ صيتها إلى قصر السّلطان زيدان ، الذي فكر في أن تكون أولى خطواته للحد من بريقها والتعتيم عنها ، طلب الزواج بها، والمصاهرة مع آل الكوش ، فلما رفضت للازهرة الزواج من السلطان، لظلمه وخنوعه في الدفاع عن أراضي المغرب، تعرضت لمحنة الاعتقال والسجن، إلى أن تدخل مجموعة من الفقهاء والأعيان ليطلق سراحها.
في سياق مماثل، دبر السلطان زيدان لوالدها مكيدة الاجهاز على املاكه بداعي التهرب من آداء الضرائب, وقام بنفيه إلى مدينة فاس، بعد رفضه فرض إحدى الضرائب الجديدة على الزوايا في عصره ضمن ما يعرف ب”امتحان الزوايا” وهو شبيه إلى حد ما بإمتحان “خلق القرآن” الذي كان قد باشره الخليفة العباسي عبد الله المامون ضد أهل السنة والجماعة .
عــدســة : محمد أيت يـحـي
وطبيعيٌّ ، أن تشتهر للا زهرة الكوش، بعلمها وبجمالها وبشخصيتها الحكيمة وأنفاسها الربانية السمحاء، وبنسكها وأريحيتها وبكثرة تلكـ الصلوات والأذكار والصدقات التي كانت تأخذ ساعات أيامها، لتصنف في قلائد الأوساط الصوفية ، ومن بين أولياء الله المتبعين لمحبته وكرمه ورحمته ، وأن تكون على قائمة الناسكات والنساك الصادقين، العارفات والعارفين بحقوق الله وحقوق عباده ، وطبيعي كذلكـ ، أن يمنحها رفضها الزواج من سلطان البلاد لقب “أمة الله” عوض زوجة السلطان مما زاد من شهرتها داخل المغرب وخارجه، وأن يضعها على مراتب الخلود ، مكانة فوق أكاليل التاريخ ضد النسيان، على مر الأزمنة والعصور .
ولقد نسَجت المخيلة الشعبية حول للازهرة الكوش يرحمها الله أساطير تلو الأساطير و قصصا وحكايات، إذ ماتزال إلى يومنا هذا، تتردد في الأوساط الحرفية والشعبية في كون للازهرة عذراء المحبة الربانية، للازهرة الكوش تتحول ليلا إلى «حمامة»، لتنشر السّلام في مدينة مراكش في كل دروبها وأسواقها، وفي جميع مايحيط بها من براري وسهول وتلال في الرحامنة ومسفيوة وزمران وحاحا،وبلاد سوس إذ لاتزال أسراب الحمام تتطاير فرحة متماوجة في محيط ضريح «حمامة مراكش» لتي تعيد ترتيل تجربة صوفية مغربية ظلت فريدة، تتدفق محبة وخيرا ونسكا وطهارة .