قبل أيام ودّع عشاق السينما العربية في كل قارات العالم النجمة نادية لطفي عن عمر 83 عاماً، السيدة الفنانة التي تركت بصمتها على الساحتين الفنية والوطنية والقومية العربية، بأدوار برهنت عن موهبتها ونبلها. وأخلاقها المؤسسة على مبادئ الدفاع عن القيم وعن قضايا التقدم والحداثة والكرامة والمواطنة .
هذا، وكانت “هاسبريس” من الجرائد الوطنية المغربية السباقة إلى نشر خبر تدهور صحة نادية لطفي، خلال الأسابيع القليلة الماضية، ونقلها إلى العناية الفائقة في أحد مستشفيات القاهرة.
فقد ولدت”الصعيدية” بولا محمد شفيق في حي عابدين في القاهرة، وحصلت على دبلوم “المدرسة الألمانية” في مصر عام 1955، قبل أن يكتشفها المخرج رمسيس نجيب، يقدمها للسينما مختاراً لها الاسم الفني نادية لطفي، اقتباساً من شخصية فاتن حمامة نادية في فيلم “لا أنام” للمخرج صلاح أبو سيف، سنة 1957 . وظهرت لأول مرة في السينما عام 1958 في فيلم “سلطان” من إخراج نيازي مصطفى وبطولة فريد شوقي الذي شاركته لاحقاً في عدد من الأعمال السينمائية منها “غراميات مجنون” للمخرج زهير بكير، سنة 1967 ، و”سكرتير ماما” للمخرج حسن الصيفي، سنة 1969 .
وحظيت نادية لطفي من خلال إسهاماتها السينمائية والثقافية بلقب”برنسيسة السينما”من طرف النقاد والمثقفين والإعلاميين، بعدما قدمت خلال مشوارها الفني أعظم الأعمال الفنية، منها الفيلم العالمي “المومياء” للمخرج شادي عبد السلام ، وهو الفيلم الذي يعتبر من أشهر إنتاجات السينما المصرية، علماً أنها أطلت فيه كضيفة شرف لم تنطق بكلمة واحدة، بالإضافة إلى ظهورها في فيلم “الخطايا” عندما قدمت دور طالبة في جامعة القاهرة.
وساعدت ملامح نادية لطفي الأوروبية وموهبتها لتكون نجمة الستينيات، واستطاع المخرجون توظيف إمكانياتها في أعمال سينمائية متنوعة، ما بين دور “لويزا” قائدة سلاح الهوسبتاليين في “الناصر صلاح الدين” للمخرج يوسف شاهين، سنة 1963، وفيلم “مادي” الذي تقمصت فيه دور فتاة الارستقراطية التي تعيش بلا هدف في الحياة من خلال “النظارة السوداء” (حسام الدين مصطفى،في نفس السنة، كما غيرت ملامحها وأدائها الفني لتظهر بدور الكيميائية في فيلم “للرجال فقط” للمخرج محمود ذو الفقار، سنة 1964، كما لم تتردد النجمة الراحلة نادية لطفي في تقديم دور “بسمة” بائعة البرتقال في “الأقمر” للمخرج هشام أبو النصر، سنة 1978، ولعب دور بائعة الهوى الشعبية في فيلم “السمان والخريف” للكاتب الراحل نجيب محفوظ، من إخراج حسام الدين مصطفى، سنة 1967، والزوجة الخائنة في فيلم “الخائنة” للمخرج كمال الشيخ، سنة 1965، كما برعت النجمة الراحلة نادية لطفي في أدائها القوي في فيلم “قصر الشوق” عن رواية نجيب محفوظ أيضا، وإخراج حسن الإمام، سنة 1967مع الفنان يحيى شاهين. كما استطاعت نادية لطفي أن تصنع ثنائياً لافتاً مع الفنان الراحل عبد الحليم حافظ (1929 ــ 1977)، من خلال فيلمين هما “الخطايا” للمخرج حسن الإمام، سنة 1962 و”أبي فوق الشجرة” للمخرج حسين كمال، الذي أنتج سنة 1969.
إلى ذلكـــ ، شاركت الفنانة الراحلة سعاد حسني (1942 ــ 2001) في أعمال عدة منها “السبع بنات” للمخرج عاطف سالم، سنة 1961، و”من غير ميعاد” للمخرج أحمد ضياء الدين، سنة 1962.وشاركت الفنان شكري سرحان في عدد من الأعمال السينمائية منها “عودي يا أمي” للمخرج عبد الرحمن شريف، إنتاج سنة 1961، و”رحلة داخل امرأة” للمخرج أشرف فهمي، سنة 1978 ، و”الأب الشرعي” للمخرج ناجي أنجلو، 1988حيث كان تعاونها مع الفنان أحمد مظهر مميزاً ولافتاً، وأطلا معاً في “مع الذكريات” للمخرج سعد عرفة، 1961 وفيلم “صراع الجبابرة” للمخرج زهير بكير، سنة 1962، وفيلم “على ورق سيلوفان” للمخرج حسين كمال، إنتاج سنة 1975 وغيرها.
لم تكن النجمة المصرية مجرد ممثلة موهوبة ووجه جميل، لكنها كانت مناضلة من الطراز الأول، فإلى جوار أعمالها الفنية الخالدة ، تميزت بتاريخ حافل بالمواقف التي ارتبطت بقضايا الأمة العربية وفي القلب منها القضية الفلسطينية. وصفها الشاعر زين العابدين فؤاد بـ”أم المعتقلين” متأثراً بمواقفها الإنسانية والسياسية، إذ كانت ترعى أسر المعتقلين السياسيين، كما وقفت إلى جوار الجنود في حرب الاستنزاف المصرية الإسرائيلية سنة 1970 وحرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973. وكانت تنظم زيارات خلال الحرب على الجبهة مع عدد من الفنانين باعتبارها مسؤولة اللجنة الفنية، واتضح دورها هذا في الفيلم التسجيلي “جيوش الشمس” مع المخرج شادي عبد السلام. استغلت نادية لطفي هوايتها القديمة في التصوير، وسجلت 40 ساعة تصوير في القرى والنجوع المصرية لتجمع شهادات الأسرى في حربي 1956 و1967 حول الجرائم الإسرائيلية. كما كانت ترعى آلافاً من الأسر، وتملك أجندتها الخاصة التي كانت تضم أرقام المسؤولين في الدولة المصرية، وترفع سماعة هاتفها لتتصل بأي منهم لتنجز أعمالها، وتحرك الورق الذي يعطله الروتين الحكومي. تتابع زملاءها وأصدقاء ورفقاء المشوار الذين أكلتهم المهنة، وتسخّر طاقتها لمساعدتهم.
وفي عام 1982، كانت نادية لطفي واحدة من الفنانين المصريين الذين حضروا إلى بيروت لكسر الصحار الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي، ومن بينهم الراحلة محسنة توفيق، وعلي بدرخان، وفتحية العسال، ويوسف شاهين، وآخرين ، حيث ذهبت نادية لطفي لزيارة الزعيم الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، أثناء الحصار، وقامت بتسجيل ما ارتكبه الاحتلال وأعوانه من مجازر في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين بكاميراتها الخاصة، ونقلته لمحطات تلفزيون عالمية، إلى أن كرمها “الختيار” لاحقاً وأهدى لها كوفيته، تقديراً لمواقفها المستمرة في دعم القضية الفلسطينية.
واستطاعت نادية لطفي أن تحتفظ في مكتبتها الخاصة بـ 25 شريط فيديو لوقائع حقيقية عاشتها بنفسها، ووصفوا كاميرتها بأنها مدفع وجهته إلى صدر رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي الراحل آرييل شارون.
ومهما يكن، فقد كان لنادية لطفي إسهامات خيرية، حيث كانت من أوائل المنضمين إلى “جمعية حماية الحمير” التي تأسست في 1930، على يد الفنان زكي طليمات، وكان لانضمامها بالغ الأثر على انضمام عدد كبير من الأدباء والفنانين منهم عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، والكاتب والمفكر عباس محمود العقاد، والأديب توفيق الحكيم، والمبدع أحمد رجب، كما انضمت إلى “جمعية خدمة وحماية المعاقين”، وحصلت بجهودها على 100 فدان لمصلحة نقابة المهن التمثيلية لتوزع في إطار عملية إستهدفت إسكان الفنانات والفنانين.