إيقونة الدقة المراكشية لمعلم عبد الرزاق بلمقدم “بابا” في ذمة الله

مـحـمـد الـقـنـور :

إنتقل اليوم الثلاثاء 11 غشت الحالي إلى عفو الله ومغفرته الفنان الشعبي والصديق العزيز لمعلم عبد الرزاق بلمقدم بابا، معلم الدقة المراكشية، بمستشفى إبن زهر المامونية في مراكش، بعد إصابته بفيروس كورونا، حيث كان قد أحس بوعكة وتعب منذ يوم الأضحى، جعلته يختلف عند الأطباء طلبا للعلاج، وأملا في الإستشفاء .
هذا، وقد عرفت الفقيد لمعلم عبد الرزاق بلمقدم بابا، شابا مهذبا، ورجلا محترما، وفنانا غيورا، وإنسانا صامتا في حكمة ولباقة وفاعلا محبا لثقافة المغربية وعلى الفلكلور الشعبي، فقد ترأس جمعية “الفنون الشعبية، ومستودع الأصالة و البهجة” بكل إقتدار ومحبة، وكان كلما إلتقاني يَقــدِمُ عليَّ مُرحبا فرحا .

وعلى كل حال، فقد كان آخر حديث لي معه، بالهاتف يوم 3 غشت 2020 ، إذ هاتفني لتهنئتي بعيد الأضحى المنصرم، وليدعوني إلى تنظيم نشاط ثقافي معه، بـ”جمعية منية مراكش لإحياء وصيانة تراث المغرب” للأستاذ الباحث في قضايا التراث جعفر الكنسوسي ، وليذكرَ لي مشاهدته ومتابعته لما شاركت فيه من حديث عن الدقة المراكشية، في برنامج “صناع الفرجة” الذي يعده الزميل القيدوم الحسين العمراني للقناة الأولى التلفزية، وكنت قد ذكرت في هذا البرنامج، أصول الدقة المراكشية، وروافدها الشعبية والتراثية والصوفية، وأعلامها بمراكش، وأصولها القادمة من تارودانت مع مسارات القوافل والأعراس والمواسم، وكيف إنتقلت من مراكش إلى دمنات، مع الإشارة إلى التوابث الفنية التي إستقرت عليها في دمنات، والمتغيرات التي عرفتها، كفن شعبي فلكلوري جماعي، برع في الحفاظ عليه الصناع التقليديين …

ومهما يكن ، فقد إستوعب الفقيد عبد الرزاق بلمقدم “بابا” يرحمه الله من خلال ما كان يجمعه من علاقات مع المثقفين والإعلاميين والفنانين أن الثقافة المغربية الشعبية لاتنفصل عن التصور العام لمشروع المجتمع المسؤول، والرافض للإبتدال والإسفاف والتجهيل والتغريب والتطرف والمتطلع للمستقبل…..

كما إستوعب الفقيد الصديق أن الثقافة ليست قضية مثقفين وحدهم، بل هي قضية مجتمع بما هي إحدى وسائل تعبيراته وإحدى تجليات حياته، وأن الفعل الثقافي ليس أداة محصورة في الإيديولوجية او في السياسوية، وإنما هو أداة لتنمية المجتمع والإنسان، ووعاء تتبلور من خلاله إنسانية الإنسان وحضارته المادية والروحية، وقد ظهر هذا الإستيعاب في ملبسه ونمط عيشه وفي كلامه و آرائه، وفي مشاركاته وممارساته، وفيما كان يصدر عليه من إنتاجات فنية فلكلورية متميزة ومن إبداعات للأهازيج والأذكار كان يتحف بها الحضور من جمهوره، فضلا عن باعه الذي لايشق له غبار في “الدقة المراكشية” على غرار عمه الراحل الحاج محمد بلمقدم بابا، الحسن الذكر، والطيب السمعة .

وإذ يعتريني الحزن الشديد ، ويعتصرني الأسى والجزع على رحيل الصديق العزيز لمعلم عبد الرزاق بلمقدم بابا، معلم الدقة المراكشية، فإني أتقدم بأبلغ التعازي وأسمى المواساة ، أصالة عن شخصي المتواضع ، ونيابة عن كل الزملاء والزميلات في “هاسبريس”، للفنان الصديق الممثل المسرحي محمد بلمقدم،شقيق الراحل، وأرملته ونجله ولكل عائلة الفقيد،وأرحامه وأصدقائه، راجين من الله تعالى أن يبدل الفقيد داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، ويدخله فسيح جنانه، وينزله الله عز وجل منزلاً مُباركاً محمودا، وهو خير المنزلين مع النبيئين والصدّيقين، والشّهداء، والصّالحين، وحسُن أولئك رفيقاً.

وإنا لله وإنا إليه راجعون، ولله ما أعطى ولله ما أخذ.

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.