تلقيت ومجموعة من الزميلات الصحافيات وزملاء الصحافيين،بشديد الأسى وبالغ الحزن نبأ وفاة الدكتور صديقي محمد اليوسفي، الأستاذ بكلية اللغة العربية التابعة لجامعة القاضي عياض، وعضو المجلس العلمي المحلي بمراكش، يومه 15 محرم 1444 الموافق 13 غشت الجاري ، إثر مرض اضطره لدخول المستشفى، حيث سيوارى جثمانه الثرى يوم غد الأحد 14 غشت الجاري بمقبرة الإمام السهيلي في مراكش بعد صلاة الظهر، وصلاة الجنازة على روحه الميمونة…
ومهما يكن، فقد عَرفتُ الدكتور محمد اليوسفي في أوائل الثمانينيات من القرن المنصرم، عرفتهُ واحداً من جيل الرواد المُربين والأساتذة النابهين المؤمنين بعظمة وأهداف الرسالة التربوية ،وبقوة المعرفة وسمو العلم ورصانة الفكر وجماليات الآداب، وكان فارس المحاضرات ونجم المداخلات، واتسم على الدوام بتواضع العلماء، فكان عنوانا لزخم المثـقـفـين، وكان قبلة للطلبة وللباحثين، وإيقونة من إيقونات الزمن الجامعي الجميل والأفق الرائع الأخاذ الذي يُسجَّلُ في القلب ويُختزَنُ بالذاكرة .
فقد عرفت السي محمد اليوسفي، أستاذا منفتحا عن الجميع، ومربيا شهما كريما، وباقة من المحبة والهدوء والسمو وإشعاع لتلكـ المسيرة اليانعة المترجمة لقوة العطاء،والكاشفة عن جدارة وتميز مشوار حياته العلمية والتعليمية والأكاديمية والثقافية، وعمق ما لديه جميل الفعل التدريسي.
وما من شكــ ، أن الفقيد الدكتور اليوسفي، رحل عن مراكش والمراكشيين بالجسد فقط ،وإنما تركـ في أوساط زملائه وزميلاته، وطلبته وأصدقائه ومن عرفوه عن كثب، من محيط الجامعة، وخارج محيط الجامعة،سيرة مُشرقة من الأخلاق ومسارا زكيا من الخصال العطرة ، وذكرى طيبة، عن عنفوانية الأستاذ في من يكون ؟ وكيف يكون؟ وروحاً نقية،كانت نبعا صافيا من العطاء، ونهرا متدفقا من حب العمل المسؤول، وعشق التدريس، والشغف بالجامعة والجامعيين،فكان ولايزال وسيظل قامة من ضمن قامات الرجال الأوفياء الصادقين، ممن طبعوا الحياة الجامعية والمسارات الثقافية والمدى التواصلي بالكثير من القيم والتميز والمُــثـُـل النبيلة .
وطبيعي، فليست هناك من ثروة يتركها الانسان بعد رحيله، أكثر من محبة الناس، لذا، فقد كان الفقيد الدكتور محمد اليوسفي،ثريا بهذه المحبة، كان انسانا طيبا، ومعلماً هادئاً ، ومثقفا متسامحاً ، ورجلا راضياً مَرضِيا، وإطارا حكيماً ، وأكاديميا مُتمرسا، وأستاذا مُلتزماً برسالته وبدوره وبإنسانيته، قَدَّم على مدار مشواره المهني، الكثير من العلم والوقت والجهد والتفانـي، والتضحيات من أجل شباب ونساء ورجال المستقبل والغد، بأخلاق وقيم فاضلة، غرست فيهن وفيهم حب العلم والمعرفة، والمثابرة على الدرس،وبدرت في أعماقهم قيم المحبة والفضيلة والخير والانتماء .
كما حمل اليوسفي الأمانة باخلاص، واعطى للحياة والناس جهده وخبرته وتجربته وعشقه، فإنه تمتع مع ذلكــ ، بخصال مجيدة ومزايا حميدة طبعها الايمان ومهَرَتْهَا دماثةُ الخلقِ وحسنُ المعشر وطيبةُ القلب ، ثم روعة التواضع، مما كان يزيده احتراماً وتقديراً،ويغدق عليه من المحبة لدى كل من عرفه أوالتقى به، القسط الوافر من التميز …
هذا، وإن كنت غير ما مرة قد تذوقتُ قساوة لحظات الوداع ومرارة الفراق، وشدة الحزن وفداحة الخسارة التي تدفع إلى الإختناق بالفجيعة قبل الدموع ، وإن كان الموت قد غيب الدكتور الفقيد اليوسفي، فإنه لا محالة، سيبقى في قلوبنا وفي عقولنا وضمائرنا ما بقينا على قيد هذه الحياة، ولن ننساه، وسيظل باعماله ومآثره وسيرته ذكرى مستمرة، ونبراساً رفيعا، وقدوة في ميدانه المهني، أدى الأمانة، فرحل عن دنيانا ليلاقي ربه على أحسن وجه،وكذلك يفعل الصادقات والصادقون فلا يموتون .
رحم الله، الدكتور محمد اليوسفي وأسكنه فسيح جناته مع النبيئين و الصديقين والشهداء و الصالحين و حسن أولائك رفيقا، و جزاه الله خيرا ونعيما على ما أسداه من معرفة ومن تعليم، ومن بحوث علمية و توجيهات سديدة لطلابه، وجعل الله ذلك في ميزان حسناته، و أحر التعازي ، وأسمى المواساة،للسيدة أرملته، ولكريمته وإبنيـه،وعائلته و أصدقائه،وزملائه وزميلاته، وطلابه و أحبابه، راجيا من الله جل في عُلاه، أن يلهم الجميع الصبر و السلوان .
ولله ما أعطى ولله ما أخذ، و إنا لله وإنا إليه راجعون.