مراكش تفقد أحد رواد التربية والثقافة بها الأستاذ إبراهيم اليوسفي

يوسف الفــيـلالــي :

صبيحة يوم الإثنين 16 يناير 2023 فقدت مراكش أحد أبنائها البررة المربي المخلص، والمثقف المجتهد، الأستاذ إبراهيم اليوسفي، بعد عمر طويل ( 92 سنة )، حافل بالعطاء التربوي واللغوي، والاهتمام بالشأن الثقافي العربي عموما والمغربي على وجه الخصوص. وبعد إسهام متنوع في إغناء المكتبة المغربية بالعديد من المؤلفات التي تعكس شخصيته ورؤاه.
ولد سنة 1930 لأسرة اليوسفي المعروفة في حومة قاعة بناهيض، وكان والده الحاج الطاهر اليوسفي الفيلالي الأصل حريصا على تربية أبنائه إبراهيم وسي محمد وعبد اللطيف وأخواتهم الخمس تربية متوازنة متشبعة بقيم التواضع والجدية والوقار. وهي القيم التي طبعت سيرة الأستاذ الفقيد سي إبراهيم في مختلف مسارات حياته، وانعسكت بوضوح في أسلوب معاملته مع محيطه.

وقد تلقى تعليمه الأول في أحد أبرز وأهم وأشهر الكتاتيب وهو “كتاب مولاي اسعيد” بزاوية الحضر؛ الذي اشتهر بمتانة التربية والتعليم،وقوة التكوين وتنوعه في المواد الدينية وعلوم اللغة العربية. مما أهل الفقيد لولوج جامعة ابن يوسف، حيث جايل وصاحب-أيام الدراسة-طلبة نجباء ستصبح لهم مواقع كبيرة في البحث والعلم والثقافة والسياسة من أمثال الأساتذة:أحمد الشرقاوي إقبال، ومولاي عبد المالك الشباني، ومحمد بنشريفة، وعبد الوهاب لمنيعي، ومحمد الصالح بنخلدون، ومحمد السعيدي،والفقيه محمد البصري وعبد الله الشليح..

كما مكنه تكوينه وجديته من الارتقاء السلس في مراقي مهنة التعليم ومدارجها. حيث واكب تطورات المنظومة التربوية المغربية منذ مطلع الخمسينيات من القرن الماضي مدرسا بعرصة باني، ثم أستاذا للثانوي بثانوية محمد الخامس باب أغمات، ثم ثانوية ابن عباد، ويكفي أن نذكر ممن تتلمذوا على يديه في هذه الحقبة نماذج بارزة من العلماء الكبارالذين يستشهد بهم اليوم؛ من أمثال الدكتور أحمد شوقي بنبين الأستاذ الجامعي ومدير الخزانة الملكية ، والدكتور العميد مصطفى الشابي الرئيس الحالي للجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، التي تصدر موسوعة معلمة المغرب ،… ومع مطلع السبعينيات انطلقت مرحلة ممارسة التفتيش التربوي في جهة الدار البيضاء بمختلف نياباتها، ثم نيابة مراكش أواسط الثمانينيات، ليرجع إلى الدار البيضاء حيث سيتقاعد أواخر سنة 1990.ويتفرغ بعدها للبحث والتأليف والنشر .

وتتضح رؤاه وأفكاره وأخلاقه – رحمه الله – من خلال مؤلفاته العديدة التي انكب على إخراجها بمجهوده الخاص إثر تقاعده.ونذكر منها على سبيلالمثال كتاب ” طبائع بشرية تحت المجهر”، وكتاب” لآلئ من الحكم الخالدة والوصايا النيرة”،وكتاب “اللغة العربية تستغيث؛ فهل من مغيث؟؟” وكتاب “للغة العربية سحر وجمال وعبقرية “، وكتاب” خواطر من صنع الأحداث”، وكتاب” شذراتمن بليغ الأمثال والأقوال والطرائف والحكم”،وكتاب “المرآة المسلمة في مفترق الطرق”، وكتاب “ومضات عبر محطات من حياتي”… وكلها مؤلفات تبرز انشغالات الفقيد وهمومه التربوية والثقافية واللغوية.

وقد عُرف الفقيد خلال هذا المسار بجديته الكبيرة وإخلاصه لعمله وللغة العربية، ودفاعه عن المدرسة العمومية المغربية، وقيم الحداثة، والوطنية الحقة. وكان رحمه الله مشهودا له بالكفاءة والاجتهاد، والانفتاح الكبير على التطورات والمستجدات في المجالات التربوية والثقافية التي اشتغل بها. شغوفا بالأدب الرفيع والفن الغنائي العربي الرائق الأصيل.

وبهذا يكون الأستاذ إبراهيم اليوسفي قد عاش حياته بطولها وعرضها من أجل التأمل في مجتمعه؛ مشاركا برأيه في الهموم الثقافية والتربوية في المحيط العربي والإسلامي.لذلك يحق لمراكش أن تعتز بأمثال هؤلاء وبعطاءاتهم في صمت ونكران ذات.

خالص العزاء لابنتيه الأستاذتين إلهام وحنان ولآبنيه د عصام وإحسان وكافة أخواته وأخيه ذ عبد اللطيف اليوسفي وكافة تلامذته وأصهاره. وجزاه الله على ما أعطى ووفى.

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.