دور زوايا ركراكة نموذجا حيًّا للتصوف البناء المُساير لركب التنمية

مـحـمـد الـقـنـــور :

إختتمت فعاليات موسم “دور زوايا ركراكة 2025، والتي إستمرت على مدى يومي 29 و30 أبريل الجاري، والتي نطمت تحت عنوان ” المواسم التقليدية رافعة للاقتصاد في الوسط القروي، ودور زوايا ركراكة نموذجًا ” ؛ حيث شكلت فعاليات الموسم، ملتقى فكري ومعرفي تواصلي، حضر إنطلاقته كل من نقيب زوايا ركراكة؛
ورئيس المجلس العلمي للصويرة؛ ورئيس المجلس الجماعي لزاوية بن احميدة؛ والمدير العام لشركة التنمية المحلية “الصويرة ثقافة تراث فنون تهيئة وتنمية” ، والعديد من المسؤولين والمنتخبين والمنتخبات بمجالس إقليم الصويرة، وبالغرف المهنية، وممثلين عن الأوساط الأكاديمية، والدوائر الإقتصادية، والجهات المهتمة بقضايا التصوف وآفاق التنمية القروية، وبالإضافة إلى أتباع ورواد ومريدي زوايا ركراكة من المواطنين والمواطنات بالإقليم وبعموم جهات المملكة.

ويعتبر موسم “الدور” لزوايا ركراكة يمتد زمنيا على مدى أربع واربعون يوما، على تراب أكثر من عشر وتثمين الموروث الثقافي والفني أو من خلال استقطاب أعداد مهمة من الزوار والمريدين من جميع مناطق المملكة وخارجها وبناء سمعة سياحية للمجال؛ مما يعزز دينامية اقتصادية تستند الى العوامل الثقافية والروحية، وترسخ دورها المجتمعي والتنموي في إقليم الصويرة، مع فتح حوارات تروم تبادل المعارف والخبرات، والخروج برؤية إستشرافية واضحة .

كما سعى هذا الملتقى الفكري والروحي إلى إبراز الدور المحوري الذي يؤدّيه موسم زوايا ركراكة التي شكّلت عبر تاريخها مركزًا دينيًا، وروحيًا بارزا له امتدادٌ وتأثيرٌ واسعٌ في المجال القروي وللاقتصاد المحلي بشكل ملحوظ ، على غرار مختلف المواسم العريقة في ضمان الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية، من خلال تحفيز الإنتاج المحلي الفلاحي والحرفي، فضلا عن المساهمة في الدينامية الإقتصادية، و الحركية التجارية، وإنعاش الإقتصادات المحلية من خلال خلق فرص العمل المؤقتة ، وإنعاش النسيج القروي، وتشخيص العقبات التي تواجه المواسم العريقة، واقتراح حلول عملية وتوصيات فعالة لضمان تحقيق نمو شامل ومستدام، مع العمل على تطوير آليات تنظيم الموسم ف”الدور” ليصبح رافعة للتنمية المحلية والجهوية.

في ذات السياق، عرفت فقرات الملتقى ، تقديم عروض علمية ومحاضرات موضوعاتية تناولت علاقة المواسم العريقة الدينية بالتنمية المحلية، والدور الاقتصادي والاجتماعي الذي تؤديه هذه المواسم في تطوير سبل العيش وتعزيز روح التعاون والتضامن بين سكان المناطق القروية بإقليم الصويرة، وخصوصيات التراث الثقافي والروحي لزوايا ركراكة، مع استعراض الأبعاد الروحية والثقافية والتراثية لموسم “الدور”، لزوايا ركراكة وتحليل وعرض دورها في إشعاع المنطقة وتعزيز هويتها الثقافية وأبعادها الحضارية، ودور موسم ركراكة في التسويق السياحي والاقتصاد الاجتماعي التضامني بالإقليم ، وبما يسهم في رفع جاذبية المناطق القروية .

كما عرفت أشغال الجلسة الموضوعاتية الأولى التي ترأسها الأستاذ عبدالصاد ق السعيدي، رئيس الجماعة الترابية زاوية ابن احميدة؛ وعضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي؛ تقديم الأستاذ يونس ابن عكي، الأمين العام للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لمقاربة مؤسساتية على ضوء تقارير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي”؛ في حين تطرق الأستاذ هشام عبقري، مدير الفنون، بوزارة الثقافة إلى “بركة المواسم بين التسويق المجالي والتأثير المضاعف”؛ كما قدم محمد خروبات الأستاذ بجامعة القاضي عياض بمراكش ، ” وقفات من سيرة وفكر العالم الشوشاوي كأحد رجالات ركراكة “؛ والأستاذ سعيد يقطين، أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط حول الاحتفالات الشعبية، ودورها تعزيز الهوية الثقافية ورافعة للتنمية الاقتصادية”؛ ومداخلة للأستاذ عبدالصمد اليزيدي، رئيس المجلس المركزي للمسلمين بألمانيا، حول التصوف السني ودوره في الحفاظ على الأمن الروحي لمغاربة العالم”.
قبل أن تكلل الجلسة المذكورة، في فضاء زاوية ركراكة بأمسية فنية صوفية ، لفنون سماع السماع والأمداح أحيتها فرقة الانوار المحمدية برئاسة الأستاذ حمزة جورتي.

وإنصبت الجلسة الموضوعاتية الثانية، التي يسرها الإعلامي عبدالحق بلشكر، حول المقاربة التاريخية والاجتماعية حيث تطرقت من خلالها الأستاذة سعيدة أيت بوعلي، والباحثة في علم الاجتماع، “البعد الروحي والسيو اقتصادي للزوايا بالمغرب”؛ كما عرف الأستاذ مولاي محمد زين الدين، عضو المجلس العلمي المحلي لاقليم الصويرة ، بمميزات الحضور الديني والشرعي في زوايا ركراكة” والأستاذ كريم عرجاوي، الباحث في التاريخ: الذي تناول اقتصاديات التراث من خلال تثمين التراث الديني بمجال الشياظمة وآفاق التثمين، والأستاذة الباحثة حنان ركراكي، حول تاريخ ركراكة، ومستقبلها”؛ والأستاذ. أحمد موافق، عضو المجلس العلمي المحلي لاقليم الصويرة:”المواسم التقليدية وأثرها في التنمية المحلية”؛ والأستاذ سعيد لقبي، أستاذ التعليم العالي بالكلية المتعددة التخصصات، اسفي، جامعة القاضي عياض حول دور ركراكة والسياحة المستدامة؛ وعرض الأستاذ الباحث مصطفى النحال، حول الأبعاد الثقافية والروحية لدور ركراكة “؛ الأستاذ مصطفى جلوق، مدير التراث الثقافي، وزارة الثقافة: حول التراث الثقافي المرتبط بالزوايا والتصوف من منظور اتفاقية 2003 لليونيسكو”؛ والأستاذ الباحث المهدي العمراني، بخصوص “الأدوار المتجددة لاقتصاديات المواسم”؛ والأستاذ الحسين أطبيب، عضو المجلس العلمي المحلي لاقليم الصويرة، حول الاقتصاد الاجتماعي من المنظور الشرعي”؛ والأستاذ زكريا أكضيض، أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاضي عياض بمراكش، حول الثقافة والتنمية في ضوء التحولات المعاصرة”.

 

من جهته، تطرق الأستاذ جعفر الكنسوسي، الباحث الأكاديمي في قضايا التراث المادي واللامادي، والمختص في الفكر الصوفي ، رئيس جمعية منية مراكش، “اعمال تنمية رباط سيدي شيكر، حسب المعيار الروحي”؛ مشيرا أن رباط سيدي شيكر الذي يقع على بعد حوالي 80 كيلومترًا جنوب غرب مراكش، في منطقة “احمر” بإقليم اليوسفية، يُعتبر من أقدم الرباطات الإسلامية في المغرب وبلدان الغرب الإسلامي.

وأبرز الأستاذ الكنسوسي ، أن هذا الرباط يعود تأسيسه إلى القرن السابع الهجري، وأنه كان مركزًا روحيًا يجمع العلماء والمتصوفة منذ بداية دخول الإسلام إلى بلاد المغرب الأقصى.

وأرجع الكنسوسي أن شاكر بن يعلى، الذي يُنسب إليه الرباط ، كان من أصحاب الفاتح الإسلامي عقبة بن نافع، وأن هذا الأخير تركه ببلاد المغرب لتعليم الناس الدين والقرآن الكريم، كما أن الرباط كان يُستخدم كفضاء للتوجيه الديني وتعلم القرآن، بالإضافة إلى دوره في نشر قيم التسامح والمعرفة، ونورانية العرفان، مؤكدا، أن رباط سيدي شيكر يُعتبر إرثًا حضاريًا وطنيا وعالميا، ومركزا ثقافيًا ودينيًا رفيعًا، مما يتطلب ملتقيات صوفية سنوية ، وفق مبادئ وطرق عمل أهل المغرب ، تهدف إلى تعزيز التصوف النقي وإحياء القيم الإسلامية الأصيلة.

كما أكد الكنسوسي ، على أن اعمال تنمية رباط سيدي شيكر، حسب المعيار الروحي، يتطلب تكثيف مختلف الجهود للإستمراره كمركز ومحج يجمع العلماء وأصحاب الفضل والتقوى، وللمتصوفة والصلحاء والصالحات والمريدين، كما كان منذ بداية دخول الإسلام أرض المغرب في القرن السابع الميلادي، ومنارة للتوجيه والتأطير الديني وتعلم القرآن الكريم.

وكشف الأستاذ الكنسوسي أن ضريح سيدي شيكر يُعد من أقدم الأضرحة الصوفية بالمغرب منذ الفتح الإسلامي، وأن مسجده الذي تم إدراجه ضمن دائرة الآثار المصنفة لدى وزارة الثقافة ، يشكل أول مسجد بالمغرب أقيمت فيه صلاة الجمعة، كما كان يشكل ملتقى ومنارا إشعاعيا إسلاميا وفقهيا عبر عصور المغرب التي تلت الفتح الإسلامي، مشيرا أن ضريح سيدي شيكر أو شاكر بن يعلى الأزدي، يظل من أهم المعالم الصوفية المغربية وأعرقها، إذ ما زالت آثاره وتاريخه شاهدة إلى الآن.

واستنادا إلى المصادر التاريخية، يعود تشييد هذا الرباط إلى القرن السابع الميلادي، لما وصل عقبة بن نافع إلى ساحل المحيط الغربي، رفقة أحد أصحابه شاكر بن عبد الله الأزدي، والذي قدم معه أثناء فتح المغرب وتركه هذا الأخير لتعليم الناس من أجل تعليم اللغة العربية ونشر الدين الإسلامي القويم.

ولم يخف الكنسوسي ، أن المؤرخين والباحثين، رغم اختلافهم حول أصل سيدي شيكر، إلا أنهم يتفقون في مسألة صلاحه ودوره الكبير في نشر الدين الإسلامي الحنيف بالمغرب الأقصى، حيث مازال موضع رباطه حاليا، فضاء لأتباع الطرق الصوفية، مؤكدا أن اعمال تنمية رباط سيدي شيكر، حسب المعيار الروحي، تقتضي تبادل الآراء والمعارف والسلوك الأخلاقي والدعوة إلى التربية بناء على أسس الإسلام المتسامح، إسلام العلم والعمران والمعرفة والإنفتاح والوسطية والوعظ والإرشاد .

وخلص الكنسوسي، أنه نظرا للأهمية الروحية والدينية لهذا المقام الضريح، فقد أولى سلاطين وملوك الدولة العلوية أهمية كبرى لهذا الرباط الإسلامي، حيث خضع مسجد وضريح سيدي شيكر للترميم والتجديد على عهد السلطانين محمد الثالث ، سيدي محمد بن عبد الله والمولى الحسن الأول. وعلى عهد أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، حيث استعاد رباط سيدي شيكر بريقه الصوفي في ملتقى عالمي سمي بـ”ملتقيات سيدي شيكر للتصوف”، حيث نظم اللقاء الأول في فاتح شتنبر 2004 بمراكش، والثاني في 19 شتنبر 2009، من أجل أن تعاد للحقل الديني هيبته، وللتصوف المغربي النقي وهجه.

هذا، وإختتمت أشغال فعاليات موسم “دور زوايا ركراكة 2025، بتقديم التقرير النهائي من طرف الأستاذ احمد بن دلة، خبير في التنمية والتوصيات ، وتلاوة برقية الولاء والإخلاص المرفوعة للسدة العالية بالله جلالة الملك محمد السادس باسم نقيب زوايا ركراكة؛ قبل أن تتوج بأمسية فنية صوفية أحيتها فرقة الجمعية الدرقاوية الحراقية للمديح والسماع الصوفي برئاسة الأستاذ أحمد مرينة بقاعة الخزانة الوسائطية البلدية في الصويرة.

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.