بعذما أدلى الزميل الصحافي والمفكر الأستاذ بوعلام صنصال، بتصريحات حول حقيقة تاريخية لصحيفة “حدود” “فرونتيير” الفرنسية الشهيرة بمواقفها الجريئة والعقلانية، وإعتبر من خلالها أن جزءًا من أراضي المغرب اقتُطع خلال الاستعمار الفرنسي وضُمّ إلى الجزائر، قامت القيامة عليه من طرف الجهاز الحاكم في الشقيقة الجزائر، لتدينه محكمة الاستئناف في الجزائر العاصمة يوم 1 يوليوز الجاري بالحكم عليه بالسجن خمس سنوات بعد فبركة رزنامة من التهم الجاهزة ضده، تضمنت” مساسه بوحدة الوطن”، وتهديد سلامة “ترابه الوطني”، وإهانة هيئة نظامية، والقيام بممارسات من شأنها الإضرار بالاقتصاد الوطني، وحيازة فيديوهات ومنشورات تهدد الأمن والاستقرار، وربما قد تكون باقة أخرى من التهم في إنتظاره، دون المراعاة لموضوعية الحقائق التاريخية البديهية والمعروفة عالميا التي أعاد نشرها، ولا لسنه الذي يتجاوز عقده الثامن، ولا لمعركته مع سرطان البروستاتا، التي لا تقل عن معركته مع التدليس والتلفيق، ومع الإنبعاثات اليومية للغازات التي ما فتئت تشنق ريحة حرية الإعلام وتخنق حقائق التعبير بالشقيقة الشرقية، رغم الدعوات المحلية من أبناء البلد الشقيق، وبمختلف دول العالم من أجل إطلاق سراحه لأسباب قانونية وحقوقية أممية ودواعي أخرى إنسانية.
والواقع، أن تصريحات الزميل الصحافي والمفكر الأستاذ بوعلام صنصال، أثارت توثُرًا دبلوماسيًا بين الجزائر وفرنسا، خاصة بعد السُعار الذي أصاب جلادي بوعلام، وبعد اعتراف باريس بسيادة المغرب على صحرائه، مما أدى بــ فرانسوا بايرو رئيس الوزراء الفرنسي، في أن يكشف عن أمله في صدور عفو رئاسي عن الزميل المعتقل، والقطع مع مثل هذه السلوكيات التي تعيد للأذهان، وللأنوف روائح محرقات النازية.
والحق، أن هذا الحكم المفبرك ضد الزميل صنصال، يكشف رداءة المسار المتدهور لحقوق الإنسان على تراب الشقيقة الشرقية، مما يفيد أن هذا الجهاز العسكري القمعي فيها لا يعادي فقط المثقفين، بل أصبح يعادي التاريخ والحقيقة والفكر، خوفا من أن الحقيقة إذا انتشرت، ستُسقط مغالطة رجل القش، وستكشفُ الهيبة المصطنعة التي بناها ذات الجهاز بالمؤامرات ومدافع الدبابات ودعاية أجهزة المخابرات، والتي وصلت إلى الحضيض خلال العقود الأخيرة، وذلكــ منذ أن اغتصب الجيش الحكم بعد الاستقلال، ولم يعد الجزائريون يعرفون سوى الدساتير المعدّلة على المقاس، والانتخابات الموجهة، وسيطرة الإعلامً الرسمي المبحوح، على مقاس الخط التحريري المعروف الذي سبق وأعلن عن “إنهزام المنتخب الإسباني في مونديال قطر 2022، بنتيجة 3- 0 في ركلات الترجيح بعد انتهاء الوقت الأصلي للمباراة والوقت الإضافي بالتعادل السلبي، دون الإشارة ولو تلميحا للمنتخب الذي هزمه.
وإلى الآن، ومع فضيحة محاكمة وإدانة الأستاذ الزميل بوعلام صنصال، لايزال ذات الإعلام الرسمي المبحوح، يجتر خطابات مقرفة وباهتة ومفضوحة عن “العدو الخارجي” الذي ليس إلا في عقول أصحابه، بينما ترتفع أصوات حرة دولية، وردود فعل عالمية من طرف مفكرين وأدباء وفنانين ورياضيين، وأرباب صناعات، ورواد معاهد علمية ومراكز حقوقية، وهيئات سياسية وأنظمة ديمقراطية تطالب بفضح عزلة نظام الجارة الشقيقة عن العصر،ومنطق العصر، وتطالب بإطلاق سراح صحافي ومفكر حر يحاكم ويسجن، ويتعرض لأعنف الخروقات المتعلقة بحقوق الإنسان، فقط لكونه أعاد كتابة حقيقة تاريخية وعالمية معروفة في كون “بشار وتندوف كانت يومًا جزءًا من المغرب”.
والواقع، أن نازلة إعتقال ومحاكمة الزميل الصحافي صنصال، تُفيد أن المعركة مع الجهاز الحاكم واللاجم لحرية التعبير في الشقيقة الشرقية لم يعد يُسوق لنزاعات ترابية تستهدف تحويل الرأي العام من مشاكل الداخل نحو مشكلة خارجية وهمية، وإنما أصبح يؤسس للحجر الفكري، ومحاولات الطمس المخزي للحقائق، والقمع الذي يطال تشويه مسار التاريخ لكونه يقض مضجع الجهاز العسكري، ويكشف أنشوداته المُمِلة حول التحرر، وحق تقرير مصير الشعوب المزعوم، أو بالأحرى، حق العسكر في تقرير مصير الشعوب.