مراكش مدينة تتعطش للظلال، وللتشجير بدل التنخيل بالواشنطونية

مـحـمـد الـقــنـــور :

تتنافس أشجار النخيل مع أشجار النارنج “الزنبوع”  على كرسي ريادة الغطاء النباتي في مدينة مراكش منذ قرون، فإن كانت أشجار النخيل الأصلية تنتشر في الجنائن والأحراش خصوصا بحوض تانسيفت، وبأعماق بعض الروضات المرتبطة بمزارات الأقطاب والأولياء، وعلى جنبات بعض الشوارع المعروفة بالمدينة، فإن أشجار النارنج تتموقع في الحدائق والدروب والأزقة وعلى جوانب الطرقات، وحتى بباحات البيوت والرياضات، وترتبط بمواسم النماء والخصوبة، ورسائل العطر على الملابس والحلويات والأطعمة، وتُعد كما يصفها المسؤولون عن “زهرية مراكش” بجمعية المنية، كموسمية سنوية ثقافية فكرية وتواصلية تحتفي بالتراث المادي والغير المادي المرتبط بهذه الشجرة، حيث يعتبرونها جزءًا من الطابع الحضري، وفصلا من فصول الخزان التراثي المادي و الهوية البصرية لمدينة سبعة رجال .

النخيل وحده لا يكفي نظرا للأيام المشمشة التي تصل إلى حدود 300 يوم في السنة بمراكش
النخيل وحده لا يكفي نظرا للأيام المشمشة التي تصل إلى حدود 300 يوم في السنة بمراكش

هذا، ولا تشتهر المدن المعروفة عالميا بمعالمها الأثرية، أو منتجعاتها الترفيهية، أو متاحفها التاريخية، ونكهات مطابخها وأزياءها التقليدية، وخصوصياتها فقط، بل بنوعية أشجارها، إذ تشتهر مكناس وفاس بأشجار الزيتون حيث تحيط بهما بساتين الزيتون، الذي يُستخدم في إنتاج زيت الزيتون التقليدي، كما تشتهر العاصمة الفرنسية باريس بأشجار “بلان لندن” (Platanus) التي كانت ولاتزال تُزرع بكثافة في شوارع المدينة  والحدائق الخلفية لكونها تتحمل التلوث الحضري، في حين تُعرف العاصمة طوكيو، في اليابان بأشجار الكرز (ساكورا) ، والتي تُعتبر رمزا ثقافيا وجماليا، يحتفى بها ضمن مهرجانات، تتزامن مع تفتح أزهار الكرز في الربيع .

وفي الشرق الأوسط، تشتهر العاصمة بيروت في لبنان بأشجار الأرز، لدرجة كانت تستعمل أخشابها في صناعة سفن ومراكب الفنيقيين، وكانت غابات الأرز تحيط ببعض المناطق في هذه المدينة، ولاتزال إلى اليوم تُسمى بــ  “حرش بيروت”،

إلى ذلكــ ، تُعتبر أشجار الباوباب من العلامات المميزة لمدينة كيب تاون، بجنوب أفريقيا، على غرار أشجار الحور الذي يطبع مختلف مدن كشمير والهند، في حين ينتشر “نخيل الواشنطونية” الدخيل على ثقافة التشجير والأغراس المغربية في شوارع لوس أنجلوس بأمريكا ، وهي ذات النوع من النخيل الذي بدأ يغزو مراكش، منذ عقدين من الزمن، ويقتحم مجال نخيله المعهود والأصيل والتاريخي، في موضة جديدة لامعنى لها، ولا طعم ولا رائحة .

 

النخيل وحده لا يكفي نظرا للأيام المشمشة التي تصل إلى حدود 300 يوم في السنة بمراكش
النخيل وحده لا يكفي نظرا للأيام المشمشة التي تصل إلى حدود 300 يوم في السنة بمراكش .

ونظرا للأيام المشمشة التي تصل إلى حدود 300 يوم في السنة بمراكش، فإن مدينة مراكش كواحة تاريخية، على طرق قوافل حضارات الشرق والغرب، باتت تحتاج إلى الظل الوارف، والفيء الظليل، بدل نخيل الواشنطونية السامق أو المُتعرش الذي لا ظل له، ولا نفع من ورائه، وذلكــ عبر إقرار برنامج زيادة زراعة أشجار “النارنج” المتماهية أصلا مع ثقافتها ومواسمها، قصد تحقيق المساواة والعدالة البيئية، من حلال قرار بيئي مشترك بين كل الإدارات المعنية والمؤسسات المحلية المسؤولة، والفعاليات الأكاديمية المختصة، وذلكــ وفق استراتيجية حضرية ذكية تعزز جودة الحياة وتواجه تحديات التغير المناخي. 

وفضلا، عن كون “النارنج” أو “الزنبوع” يعتبر أبرز الأشجار ذات البعد الثقافي والجمالي بمراكش، فإن دوره البيئي ملموس، يكمن في إمتصاص الغازات الملوثة مثل أول أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين والأوزون2، كما تحبس أوراق أشجار “النارنج” “الزنبوع” ولحاؤها اللزج والنظيف طبيعيا ، مختلف الجسيمات الدقيقة مثل الغبار والدخان، مما يحسن جودة الهواء بالمدينة بشكل ملحوظ ، خصوصا بعد توزيع الأشجار المذكورة بشكل استراتيجي، مما يدفع بخفض حرارة الهواء بين 2 إلى 8 درجات مئوية، والتخفيف من ظاهرة “الجزيرة الحرارية الحضرية”.

كما تقوم أشجار أشجار “النارنج” “الزنبوع” بعملية التمثيل الضوئي، فتنتج الأكسجين وتقلل من تركيز ثاني أكسيد الكربون في الجو، كما أن التواجد قرب هذه الأشجار ، والسير في إمتداداتها الخضراء بالشوارع والأزقة يخفض ضغط الدم ويقلل التوتر، ويخلق بيئة أكثر هدوءً وتوازنًا، مما ينعكس على رفاهية السكان، من خلال رفع قيمة العقارات وتحسين الاقتصاد المحلي، ويعزز التنوع البيولوجي داخل المدينة، حيث توفر هذه الأشجار بيئات طبيعية داحل النسيج الحضري للطيور والحشرات.

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.