توم وجيري
محمد القـنــور
دون شكــ ، يظل مسلسل توم وجيري الكرتوني غنياُ عن أي مقدمات، فهو يتمتع بصيت عالمي، ومتابعة من لدن الكبار قبل الصغار، نظرا لقوة ألوانه، ودلالات حركاته، وما يتضمنه من حرارة العواطف وصدق الأداء والإرتفاع بشتى الأحاسيس الإنسانية إلى درى من التعبير المكثف والبساطة والتفوق .
فقد أحدث المسلسل ضجة كبيرة من خلال الشخصية اللعوبة للفأر “جيري” الباحث دائما عن موطأ قدم في عالم تسوده الصراعات، وشخصية القط “توم” الذي عادة ما تغلبه عاطفته الجياشة، فتكبح نواياه الشريرة، ثم باقي شخصيات المسلسل ، من صاحبة المنزل ، التي تصدر الأوامر لــ “توم” كأنها توصيات أممية، والتي عادة ما يجد فيها الفأر “جيري” منفذا لخرقها ، وإقحام القطـ “توم” فيها، ليدخل حقل ألغام وشتائم وعقوبات لا تنتهي.
إلى ذالــكـ يقدم الكلب القابع في حديقة المنزل، الذي يسكنه القطـ “توم” بشكل شرعي، والفأر “جيري” المُقيمُ دونَ علم صاحبته، كلبا وقورا، ومحترما، رزينا لا يرضى أن تمرغُ كرامته في التراب، أو أن يحيق الضيم بــ “جروه الصغير” المدلل ، ضمن دراما متسارعة لشخصيات طالما أسرت قلوب الملايين من الأطفال وكذلك الكبار.
ومهما يكن ، فقد بدأت السلسلة الأصلية من مسلسل “توم وجيري” في سنة 1940 واستمرت حتى 1958. لكن الكثير من الحقائق المتعلقة بالمسلسل وشخصياته الأساسية لم تكن واضحة ومعروفة للجمهور!
والحق ، أن هذه السلسلة كانت قد حصلت على جائزة الأوسكار، قبل أن يفوز بها العديد من نجمات ونجوم هوليوود ، وأولائكـ الكبار من المخرجين ، ممن يقودون جحافل الممثلين والممثلات ! إلا أن كل من توم وجيري حصلا عليها بشكل موازي ! ومن خلال الإصدار الأصلي للمسلسل، حصل كل من المنتجيْن حنا وباربيرا على سبعة جوائز أكاديمية تتعلق بالرسوم المتحركة، وأصبح هذا المسلسل من أكثر المسلسلات الكرتونية متابعةً من الكبار والصغار في العالم .
فقد كان المبدع السينمائي الإمريكي “جون كار” هو من أطلق اسم “توم وجيري” على القط والفأر في الرسوم المتحركة، رغم أن المُنتجين لم يكونوا راضين ولم يشاءوؤا في البداية تسمية كل من الفأر والقط بأسماء أعلام من الناس في أمريكا، ومع ذلك، فقد حظي كل من إسم “توم” و”جيري” بشهرة واسعة لاحقًا، نافست شهرة نجوم هوليوود ورموز الفن السابع والغناء، وباتت صور “توم” وصديقه اللدود “جيري” تزين واجهات محلات بيع اللعب، وقمصان الشباب في كل مكان، وتوضع على الدفاتر، والأقلام والولاعات والبطائق، وحتى الموائد والحيطان.
وطبيعي، فقد كان الناس يظنون أن كلٌ من القط توم و الفأر جيري من الشخصيات الصامتة. ، وأنهما مثل النجم السينمائي “شارلي شابلن” في روائع أفلامه، على الرغم من أن كليهما كانا ينطقان ببعض الجمل القليلة، أو تصاحبهما كتابات تظهر خلال بعض الحلقات، من قبيل مؤلفات تحمل عنوان “كيف تصطاد فأرا في دقائق” ، وهي الكتب التي عادة ما تسقط في يد “القط توم” فيزدردها قراءة وتمحيصا .
وعلى كل حال ، فقد بقيت “رسومات “توم و”جيري” المتحركة في بادئ أمرها خلال الأربعينيات من القرن المنصرم، خجولة وطفيفة، ومرتبكة تنقصها الدلالات ، وتعوِزُها الحركية والإنسيابية ، إلى أن جاء الثنائي ” وليام حنا “و”جوزيف باربيرا “فــشكَّلا شراكة ناجحة فيما بينهما لإنتاج “توم وجيري”كرسوم متحركة على شاكلة ما هي معروفة عليه اليوم، وأيةُ ذلكــ ، أن هذا الثنائي حظي بشهرة كبيرة وواسعة في مجال الرسوم المتحركة، وإن كان لهما عدة إصدارات في هذا المجال على غرار “الكلب الطيب سكوبي دو”، و”فلينستون”، وتلكـ المخلوقات القزمة الزرقاء التي تُعرفُ بــ السنافر، وغيرها من المسلسلات الكرتونية الشهيرة.
وأغلب الظن ، أن “توم وجيري” تطورت علاقاتهما بتطور العلاقات الدولية، وتنوع بؤر الصراع العالمي، فلم يظلا دوما أعداء ألداء، يكيد الواحد منهما للآخر، ويرجو أن لا تطلع عليه شمس الصباح القادم، بل ظهرا مرارا كأصدقاء مقربين ، يجمعهما حب الطعام وتقاسم الفاكهة ، ويسهدهما ذاكـ العشق الذي يعتري كل منهما إتجاه فأرة وسيمة، أو قطة أنيقة، متزنة ، يجهد “توم” في أن يقدم نفسه أمام عينيها ، في صورة القط المحترم “الجنتلمان” مما يعطي الإنطباع للمتتبعين حول كل من القط توم والفأر جيري سيظلان أصدقاء إلى ماشاء الله !
ولأن “توم” و”جيري” يتقاسمان نفس المنزل، مثلما نتقاسم نحن نفس العالم، فإنهما يضطران عادة لتدبير الصراع ، ويلجئان لخلق التحالف ضد النوازل المفاجئة، والمصائب المُستحدثُةُ ، وهو التحالف طبعا الذي عادة ما ينتهي بمجرد زوال المحنة المشتركة، إذ لا يستمر طويلًا حتى تعود المشاكل مرةً أخرى ويُصبحا أعداء من جديد، ولله في خلقه شؤون .
وبطبيعة الحال، فإن بعضا من حلقات توم وجيري ، أثارت مشاكل تربوية وثقافية سواء في أمريكا أو في خارجها ، فإعتبرت عنصرية من قبل بعض النقاد؛ مثل ظهور تلكــ الخادمة السمراء البشرة، التي تعودت أن تمطر “توم القط” بوابل من التنبيهات، والتقريع ، كما أن “الفأر جيري” عادة ما كان يخرج عن طوعه، فيبدو قاسيا ماكرا ، أو متحرشا منهمكا في التدخين،واللامبالاة والإعتداد بالنفس ، وسط جلبةٍ صاخبةِ من الموسيقى.