يتجول العشرات من الأطفال من “جيش الشبيبة” الروسي ببزاتهم ذات اللون البني الفاتح وقبعاتهم الحمر في معرض مخصص لميخائيل كلاشينكوف، ليتفرجوا عبر واجهات زجاجية محمية على النماذج الأولى من رشاشات “الكلاشنيكوف-47″،حيث يلتقط أفراد “جيش الشبيبة” في المعرض،الذي أطلقه الرئيس فلاديمير بوتين، صور “سيلفي” مع البندقية الشهيرة في ممرات متحف النصر في موسكو المخصص للحرب بين الاتحاد السوفياتي وألمانيا النازية.
وتعتبر “الكلاشينكوف” البندقية الأشهر في العالم، فبالموازاة مع ذلكــ ، تحتفل روسيا قاطبة على إمتداد شساعتها بمئوية ميخائيل كلاشينكوف، الجندي السوفياتي البسيط الذي كان يحلم بأن يكون شاعراً على غرار “مايا كوفسكي” قبل أن يصمم بندقيته ذات المواصفات غير المسبوقة والمتميزة بخفتها وسهولة استخدامها، وهو ماجعل “كلاشينكوف؛ الجندي المصمم الأسطورة” الذي تقبع صوره ومقتنياته الخاصة وتصاميمه لبندقيته الشهيرة عالميا في متحف النصر بموسكو في العاصمة الروسية لفترة غير وجيزة، في إنتظار أن تنقل هذه المعروضات لاحقاً إلى شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا إلى ترابها في عام 2014.
هذا ، فإن ميخائيل كلاشينكوف المزداد سنة في 1919، في عائلة ريفية روسية بإحدى قرى جمهورية آلطاي ، كان هو الإبن رقم الــ 17 بين 19 مولوداً في عائلته، إذ في عام 1941، خلال إحتدام نيران الحرب العالمية الثانية، زمن فترة الزعيم جوزيف ستالين ، أصيب الشاب كلاشينكوف بإصابة بينما كان خلف مقود دبابة، وخلال فترة التعافي بدأ رسم وتصميم بندقيته متأثراً بالسلاح الألماني الذي كان يراه في الميدان.
فبعد إخفاقه في مسابقة للجيش لمرات كثيرة، فرض “الكلاشينكوف الأوتوماتيكي 1947” نفسه وصار جزءاً من عتاد الجندي السوفياتي وحتى اليوم، حيث تم إنتاج أكثر من مئة مليون قطعة منه،إذ أن أكثر من 50 جيشا في العالم لا يزال يتزود به، لدرجة أن أن بندقية “الكلاشينكوف” صارت على سبيل المثال لا الحصر ، أحد مكوّنات الشعار المرسوم على علم دولة موزمبيق.
في سياق مماثل، كانت الدعاية السوفياتية خلال فترات الزعيمين “نيكاتا خروتشوف” و”ليونيد بريجنيف” قد روجت لبندقية الكلاشينكوف كوسيلة فضلى للدفاع، وإن كانت الاستخدامات الأولى لذاك السلاح الجديد اندرجت في إطار الأعمال القمعية، على غرار ما حصل في ألمانيا الشرقية عام 1953 والمجر في 1956، وخلال ربيع “براغ”، وبمحاذاة الجهة الشرقية لجدار برلين التاريخي لإستهداف وإقتناص من يحاولون العبور نحو الضفة الرأسمالية.
والواقع، أن“البلدان الشقيقة” في حلف وارسو، شاركت الاتحاد السوفياتي إفتخاره ببندقية الكلاشينكوف، غير أنّ البندقية الأسطورة أفلتت منه، إذ أنّ انهيار النظام السياسي في الإتحاد أمام إصلاحات “ميخائيل غورباتشوف” أدت إلى تعزيز انتشار هذا السلاح واتساع استخدامه بين المدنيين، حيث بات يباع مثل “البطاطا” في أسواق البؤر المتوثرة في إفريقيا بتشاد وإيثوبيا لاحقا، والصومال، ورواندا وبورندي، ولدى “الساندينيين” و”الكونتراكس” في نيكاراغوا بأمريكا اللاتينية، وفي “الشيشان” لاحقا، وصارت “الكلاشينكوف 47” تصنع في مختلف أنحاء العالم،حيث لتغذية حرب العصابات، ونشر حوادث إطلاق النار في المدارس الأميركية.
والغريب المفجع، أن سهولة إستعمال بندقية “الكلاشينكوف”، وقابليتها على تحمل الثلج والوحل والمياه والحرارة، دفعت إلى وضعه حتى بين أيادي جنود أطفال مجندين في مناطق عدة في العالم. كما أنّه يستخدم في عمليات الصيد الغير المشروع للفيلة وحيوانات وحيد القرن بسهول “ماساي مارا” في إفريقيا، وللنمور والفهود في أدغال الفلبين وأندونيسيا، وغيرها من المناطق،في أفغانستان، لا يزال مقاتلون من الطالبان، وجنود نظاميون أفغان يستخدمون هذه البندقية الى حدود اليوم، كما اشتهرت بندقية “الكلاشينكوف” كثيراً من فترة السبعينيات إلى بدايات التسعينيات من القرن المنصرم في الشرق الأوسط، خصوصا بين الفصائل الفلسطينية وفي لبنان إبان الحرب الأهلية، كما استخدمت “الكلاشينكوف”بفرنسا في اعتداءات باريس، ولتصفية الحسابات بين تجار المخدرات في مارسيليا، حيث عادة ما تجلب هذه البندقية من بعض البؤر الساخنة في يوغوسلافيا السابقة حيث كانت مخازن الماريشال تيتو تعج بها، وذلكــ ، لتباع في أوروبا بأقل من ألف يورو.
ويعتبر العديد من خبراء السياسة الدولية، ودعاة السلام، وأعضاء الهيئات الدبلوماسية، والمنظمات الدولية أنّ “وجود “الكلاشينكوف” في كل مكان بالعالم، وحتى بين أيادي الإرهابيين، ليس خطأ ميخائيل كلاشينكوف مصممها ، وإنّما خطأ السياسيين”.
وتروي نيللي كلاشينكوف ابنة مصمم البندقية الشهيرة، والبالغة من العمر 77 سنة، أنّ “ما كان يفعله والدها في المصنع وما اخترعه، كان محاطاً بالسريّة. لم تكن عائلته ولا أصدقاؤه يعرفون شيئاً عنه، واستمر ذالك سر دولة إلى غاية عام 1990 عندما إكتشفوا كما كل العالم أنّ والدها هو المصمم الأسطوري للبندقية السيئة الذكر.
بعد وفاة كلاشينكوف، تعددت وسائل تكريمه، كان من أبرزها تمثال له أقيم في موسكو عام 2017، يظهره حاملاً لبندقيته، مع العلم أن هذا الرجل حقق الكثير من الشهرة ولكن بلا مردودية مالية، لكون الملكية الفكرية كانت جماعية في الاتحاد السوفياتي، إذ في عام 2004، نجحت العائلة في تسجيل العلامة التجارية لمنتجات أخرى، غير أنّ محكمة سحبتها منها في 2014.
وقبل وفاة ميخائيل كلاشينكوف بمدة قصيرة، عبّر عن شعوره بالندم، وكتب رسالة إستفسارية إلى رأس الكنيسة الروسية جا فيها : “ألمي لا يحتمل”، فبندقيتي سلبت حياة أناس كثيرين فهل أنا مسؤول؟”.
هذا،ويشكل تصنيع بندقية كلاشينكوف كما سميت في 2013، حوالي 95% من الأسلحة الروسية الخفيفة وتصدّر إلى 27 دولة، حيث بلغت في الوقت الراهن،البندقية الشهيرة جيلها الخامس، وبعد دخول مساهمين من القطاع الخاص إلى المجموعة في 2014، تمّ عرض نماذج جديدة والتركيز على التصدير برغم العقوبات الأميركية على المؤسسة.