يعتبر “البروكار” أو “الزردخان” من الصنائع التقليدية المغربية الثرية والناذرة، ويسمى ممارسها “زردخاني” وهي كلمة أعجمية فارسية وتركية مركبة، فــ “الزرد” هو الثوب، والخان” هو الملكـ ، حيث ظلت هذه الحرفة المتعلقة بأحد أنواع الحياكة التي تختص بالملوكـ . إذ يصرح عبد اللطيف بن الشريف ، معلم زردخاني، يعرض منواله ومنسجه وتحفه، رفقة معاونيه، في أحد أروقة الصنائع النفيسة في إطار الدورة السادسة من الأسبوع الوطني للصناعة التقليدية، المنظمة من 12 إلى 26 يناير الجاري بمراكش تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، أنه لولا الملوكــ لضاعت هذه الحرفة.
ويكشف المعلم بن الشريف، لــ”هاسبريس” أن حرفة “الزردخان” ليست حياكة وليست درازة، وليست نسيج، وإنما هي حرفة قائمة الذات بخصوصياتها، وبعمقها التاريخي في المغرب، رغم أنها إكتسبت إسمها “البروكار”من اللاتينية، والزردخان” من اللغات الفارسية والتركية، لأسباب تجارية محضة تروم توحيد الإسم، وتعميمه لدى تجار القوافل المغاربة ممن كان يؤمنون بلاطات الملوك من فاس نحوحواضر الشرق وموانئ ومدن الغرب .
وتشير أغلب الوثائق التاريخية، والمصادر ذات الصلة بحرفة “البروكار” أو “الزردخان”، أن هذا الإسم الأخير، عرف في المغرب، بعدما قدم تجار أتراك عثمانيون لمدينة فاس، وإطلعوا على سير ومجريات هذه الصناعة في أوراش المدينة، وعلى التفاصيل الدقيقة والمعقدة في حياكة هذا الموروث العريق الذي يعتبر قطعة فنية بكل معنى الكلمة، شاهدا حقيقيا على الثراء الثقافي والحضاري للمملكة والإبداع الفني للصانع التقليدي المغربي، وتابعوا طرق تصنيعه بألوانه المتنوعة والمفعمة بالحياة وأنماطه الفريدة والمتناغمة، ليكتشفوا أن الزردخان ليس محصورا فقط عندهم، وإنما ثمة زردخان مغربي ينم على الإختلاف الذي يتميز به هذا الموروث التقليدي.
ويؤكد المعلم بن الشريف ، أن حياكة “الزردخان” يتركز في مدينة فاس، مشيرا إلى تميزه بالفرادة على المستوى الوطني والدولي نظرا لنوعية المواد المستخدمة في صناعته وإعتبارا للطريقة المتبعة في عملية النسج وإعداد الأشكال المرسومة عليه، حيث لايخفي أن الزردخان الفاسي المغربي مشهور بجودته ويعكس ثقافة وتقاليد المغاربة.
ويشدد بن الشريف أن مهنة “الزردخان” هي مهنة ذات خصوصيات تقنية عريقة ، وأنها مختلفة عن مهنة الحياكة ومهنة النِّساجة ، وأنها إكتسبت إستمرارها من خلال دعم الملوك والسلاطين المغاربة لها، مما جعلها تعرف ازدهارا حقيقيا على أياديهم، وتحت رعايتهم، وساعد في الترويج لها كمنتوج، كما دعا إلى أهمية الحفاظ على هذا النشاط الحرفي المغربي الراقي، الذي يتطلب الخبرة والصبر والمثابرة في التعلم ، والسهر على نقله للأجيال القادمة.، للحيلولة دون إنقراضه، ومعربا عن فخره الكبير بالمشاركة في إطار الدورة السادسة من الأسبوع الوطني للصناعة التقليدية بمراكش، كمعرض هام.
هذا، وتتمحور صناعة “البروكار” أو “الزردخان” على تقاطع عدة خيوط حريرية ومعدنية من فضة وأحيانا من ذهب على شكل خصلات دقيقة ومحسوبة التشابكـ تتجه اتجاهاً واحداً، وعلى ترتيب محكم لأنواع الأنوال والمساطر المركبة ، حيث يلتف بعضها حول بعض التفافاً بشكل تراتبي يتقاطع تقاطعاً منتظماً من دون الحاجة إلى استعداد خاص لإجراء هذه العملية حيث تكوّن أسدية المنسوج ولحماته متباينة معاً، بخلاف الحال في الحياكة أو “النسيج” الذي يلجأ كثيرا إلى المكننة، وإلى تقاطع خيوط السدى مع خيوط اللحمة تقاطعاً منتظماً.
كما تتطلب صناعة “البروكار” أو “الزردخان” إعدادا بيانيا للخيوط، وتحضيرات رفيعة الدقة أولية وآلة “مرمة” خاصة به لإجراء عملية النسج التي تمر عبر مراحل متعاقبة تتفق مع مقدار احتياجات الطلب من أقمشته الفاخرة ، والملائمة لكل مكان ولكل زمان. وتطورها منذ العصور القديمة يتبين مدى ذلك التطور الذي انطلق من مجرد إطار خشبي تجرى عليه عملية النساجة بأبسط الطرق وأقل الاستعدادات بحيث تتقاطع خيوط السدى الطولية المشدودة على الإطار مع خيوط اللحمة العرضية المتراكبة معها لتكوين ذلك المنسوج المسطح الرقيق التكوين.