الكنسوسي : مراكش مسارات سياحية ومسارات روحية،ولنَتْـركـَ المدينة تتحدث عن نفسها

مـحـمـد الـقـنـور :

أكد الأستاذ جعفر الكنسوسي، الباحث في قضايا التراث المادي واللامادي المغربي، ورئيس جمعية منية مراكش لإحياء تراث المغرب وصيانته، ان في مراكش مسار سياحي يتعلق بالمواقع الآثرية والأسواق التقليدية العريقة لمختلف الصنائع والحرف، ومسار روحي يربط بين مراقد الرجال السبعة، ومزارات الوليات والأولياء من الأقطاب والبدائل، مشيرا أن مدينة مراكش العتيقة، تتضمن 340 زاوية ومزار”ضريح”، حسب إحصاء كانت قد قامت به مندوبية الشؤون الإسلامية بذات المدينة لما يقارب العشرين سنة.

وأبرز الكنسوسي خلال مداخلته في فعاليات الندوة الموضوعاتية، حول “حاضر المدن العتيقة بالمغرب ومستقبلها في إطار الدورة الثانية عشرة، لموسمية ســـمـــاع مراكـش، المنظمة تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، من طرف جمعية منية مراكش لإحياء تراث المغرب وصيانته ، بشراكة مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل، ووزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والاسكان وسياسة المدينة، ومجلس جهة مراكش آسفي، والمجلس الجماعي للمدينة ومجموعة من المؤسسات الاقتصادية والمراكز العلمية، والمعاهد العليا التعليمية، أن في التخطيط العمراني العام لمدينة مراكش منذ تأسيسها كعاصمة للدولة المرابطية لما يقارب الألف سنة،تميزت المدينة بجانب شرقي، تموقعت به مزارات الأولياء، إنطبع بالكثافة، الديمغرافية للساكنة، وتمركزت به أسواق الحرف والحنطات، وكثرة الدروب والصابات وهي الأجزاء السكنية من الدرب، التي قد تحتوي على بضعة منازل،أو رياضات، والأزقة والطوالات والفنادق” الخانات”، والأسواق والسويقات، وجانب غربي مخزني، شمل حي القصبة والأحياء المجاورة له، على غرار حي سيدي أعمارة،حيث مقبرة الإشْرَاف، التي توري جثمانين كبار أعلام ورجالات الدولة المغربية، خلال عصري الدولتين المرابطية والموحدية على غرار الفيلسوف إبن طفيل، والطبيب الشهير إبن زهر، وحي سيدي ميمون، حيث ضريح يوسف بن تاشفين مؤسس المدينة، والدولة المرابطية.

وأبرز الأستاذ الكنسوسي أن هناك طابع أصيل لمدينة مراكش ومختلف المدن االمغربية العريقة، مشددا على أن معالم التراث المعماري المغربي ، والتخطيط المعماري، في تصميم هذه المدن واضحين، حرصت عبر التاريخ على أن تكون مناسبة للتكوين البشري الذي يعيش بها،وداعيا إلى عدم سقوطها في التدجين والمسخ الهوياتي، تحت طائلة الطابع العصري، ومشيرا إلى أن طابع المدينة العريقة له مميزاته ومكوناته، التي تخالف طابع المدينة الحديثة.
وأوضح الكنسوسي، أن الآوان قد حان، لنترك مدينة مراكش العتيقة تتحدث عن نفسها، وتكشف أسرارها العمرانية وصيتها المعماري، مما سيوفر مجالا خصبا أمام الجامعات والمعاهد المختصة في الهندسة وعلوم المجال،والدارسين والباحثين الأكاديميين لسبر أغوارها، بالدراسة والتحليل والمقارنة والجداول والإحصائيات وفقا لجميع المفاهيم الحديثة للعمارة والعمران والبيئة، ومختلف مجالات الإدارة المتعلقة بالتخطيط العمراني والترميم والصيانة قصد تغطية طموحاتها والحفاظ على مكانته كأكبر حاضرة عتيقة على مستوى المساحة والتنوع الحضاري بالغرب الإسلامي.

وأشار الكنسوسي، إلى أن هوية مدينة مراكش والمدن العريقة بالمملكة المغربية، بدأت تكتسي موقعا رئيسيا في إهتمامات وإنشغالات المسئولين المحليين والوطنيين، والباحثين المغاربة والأجانب ، وحرصهم في الحفاظ على تراثها المادي واللامادي،أمام الزخم الناجم عن مشاهدة مسرح العمران الذي تتقاذفه تيارات الحداثة والعصرية وكأنها تطيح بكل مفاهيم التراث الأصيل دون أن يأتي بحلول مرضية لأزمة وظيفية كامنة، بفعل التحولات المنقولة أو النماذج المتبعة.

وارتباطا بذات السياق، ركزت مداخلات وعروض أخرى، على مدن المغرب كفاس وتطوان والرباط وأزمور، ومدينة مراكش العتيقة على وجه الخصوص، حيث أجمعت مختلف العروض التي تناولت مدينة مراكش العتيقة، كحاضرة عالمية تأثرت في نسيجها المعماري بالهزة الأرضية الأخيرة ،فضلا عن ما عرفته ذات المدينة من تطور ونمو كبيرين، بات تأثيرهما يظهر إلى حد كبير في التحولات المادية والتغييرات المجالية المتعلقة بمظاهرها الحضرية، ونتيجة ارتفاع وثيرة الأنشطة السوسيو إقتصادية التي باتت تشكل إزعاجا بيئيا ومجاليا، في حين إنصبت تحليلات ومناقشات ومقترحات على كيفيات الحفاظ على مراكش هذه المدينة التاريخية وإحدى عواصم الخلافة الإسلامية، المدرجة في قائمة التراث العالمي منذ عام 1985 وتطوير تحليلات ووجهات نظر من تجاربهم التي عاشوها في المدينة العتيقة، ومناهجهم في التعامل مع المواقع الآثرية والتاريخية، ومع المباني الجبلية المحيطة بها في أقاليم الحوز وتارودانت وشيشاوة والرحامنة وقلعة السراغنة وآسفي، والصويرة وغيرها من الأقاليم سواء المتأثرة بالزلزال شتنبر المنصرم أو غير المتأثرة به.

وخلال أيام الندوة الموضوعاتية الدولية التي غطت بعد إفتتاح الموسمية ثلاثة أيام ، تطرق المهندسون المعماريون والمخططون الحضريون وخبراء الترميم، والباحثون الأكاديميون والأساتذة الجامعيون وبعض المنعشين السياحيين والعقاريين، إلى مشاريعهم وإنجازاتهم المتعلقة بالحفاظ على مدينة مراكش ومحيطها الخارجي، ومختلف المدن العريقة المغربية وسبل صونها، كما تم فتح مناقشات حول واقع ورهانات السياسات العامة الموجهة نحو الحفاظ على التراث التاريخي وخطط صونه ومدى تطبيق مواثيقه، وكيفيات ترميم تراث المدن العتيقة المغربية،وبُنى المدن العتيقة بالمغرب ونموها، مع تقديم صور ورسومات للمدن المغربية العتيقة، في مراكش وسلا وفاس والرباط وتارودانت وطنجة وغيرها، و حول المدينة العتيقة والصناع الحرفيون، في إطار تكريس وتقوية مناحي الدفاع عن نموذج اجتماعي اقتصادي بديل بها،وحول كيفيات البناء المحلي وعبقرية الدواوير بجبال الأطلس المعروفة تاريخيا بجبل درن.

في حين، تناولت مداخلات أخرى، أسس الميثاق المعماري وسبل الحفاظ على خصوصيات المؤهلات العمرانية والمناظر الطبيعية لحاضرة مراكش.

وبكل موضوعية، فقد كشف نجاح وأثر موسمية سماع مراكش،وما خلفته من إشعاع محلي وجهوي ووطني،وما سيثمر عنه هذا الإشعاع من ردود فعل تفاعلية وتواصلية دولية،حول قضايا تدبير التراث العمراني بمراكش والمدن المغربية العريقة، وما وسمته محاور الندوة الموضوعاتية حول جودة رؤية إدارة ومكتب جمعية منية مراكش، برئاسة الأستاذ الباحث جعفر الكنسوسي،وباقي أطر وأعضاء المكتب ومدى تنوع معرفتهم، وقوة أجندتهم وتكامل المنهجيات التي حرصوا على تنفيذها بكل إحترافية وإقتدار خلال أيام الموسمية .

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.