مجلس الكتبيين بمنية مراكش يستنطق التاريخ ويضع فضاء الكتبية تحت مجهر حقائق العمران والمجال

مـحـمـد الـقـنــور :

ستنظم جمعية منية مراكش يوما دراسيا غدا الخميس 28 نونبر الجاري، بمقرها بمقرها في طريق الجبل الأخضر، بمراكش المدينة، حول الخط العربي والمخطوطات في المغرب، كتراث طبع الحضارة المغربية عبر القرون، وذلك بحضور مجموعة من المؤرخين والأكاديميين والخبراء في قضايا التراث، حيث سيقام معرض للمخطوطات والنسخ المطابقة للأصل طيلة اليوم الدراسي.

هذا، وكان الخط العربي في المغرب وهو الفن المعظم والتراث الحي، يشغَل دائمًا مكانة أساسية في الثقافة، معبرًا عن الجماليات والروحانيات والعلم، ويمثل كذلك وسيلة لنقل المعارف عبر العصور.
تُكرَّم هذه التقاليد الخطية خلال فعاليات هذا اليوم الدراسي هذا، الذي يُعقد في مراكش، كمحطة تاريخية هامة لمهن الكتابة والخط العربي منذ قرابة ألف عام.
كما تنافست مراكش على مر العصور، مع باقي حواضر العالم الإسلامي في إنتاج المخطوطات الفاخرة لفائدة العلماء والفقهاء والمثقفين ومختلف النخب الراقية؛ حيث تم تأسيس خزانات أو مكتبات مرموقة فيها.

وإلى اليوم، لا تزال مراكش المدينة العتيقة تحتفظ بتراث استثنائي بخزانة ابن يوسف وتواصل تعزيز هذا الإرث كمصدر إلهام للفنانين والباحثين والحرفيين.
إلى ذلك، من المرتقب أن يعرف برنامج اليوم الدراسي المذكور، مداخلات أكاديمية ، لكل من الأستاذ جعفر الكنسوسي طلعة جديدة في أفق الكتبيين.

كما ستتناول كل من الأستاذة إيلينور سيلار Éléonore Cellard مصحف شاطبة كأحد كنز من زمن الموحدين، والأستاذة حكيمة الشامي ، دور النساء الناسخات للمغرب

وخلال الفترة المسائية من اليوم الدراسي، سيتطرق الأستاذ أومبرتو بونيانينو للكسوات المغربية المتعلقة بمقامات الأولياء في القرن 19 ومؤسسات الصلاح عبر صناعة الحرير، في حين ستنصب مداخلة الأستاذ فرانشيسكو شيابوتي Francesco Chiabotti حول تقديم ملاحظات بشأن مخطوط رقم ج 634 المحفوظ بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية، والمتعلقة بكتاب دلائل الخيرات بخط الشيخ القندوسي .

وللإشارة فإن الأستاذ جعفر الكنسوسي الذي يرأس حاليا جمعية منية مراكش، والباحث المستقل في الدراسات الصوفية يعتبر أحد الناشرين المرموقين على الصعيد المحلي والوطني، سبق أن شغل منصب المندوب الجهوي لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ومستشار للوزير في نفس القطاع، كما عمل منذ عقود على تعزيز المعرفة بالتراث الثقافي المغربي والتحسيس بأهميته ومردوديته السوسيو إقتصادية،والروحية، ثم كان أحد مؤسسي دار النشر “القبّة الزرقاء”، قبل أن يؤسس دفاتر تراث مراكش والجهة.


كما شغلت الأستاذة حكيمة الشامي Hakima Chami التي تركز أبحاثها على التراث المخطوط في المغرب ، والحاصلة على دكتوراه من جامعة محمد الخامس في الرباط، منصبَ مديرة مركز التوثيق والأنشطة الثقافية التابع لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الدار البيضاء.
في ذات السياق، شغلت الأستاذة إيلينور سيلار Éléonore Cellard الحاصلة على دكتوراه من جامعة INALCOوجامعة EPHE في باريس،. والمتخصصة في المصاحف الشريفة القديمة، منصب مساعدة تدريس سابقا وبحث في الكوليج دوفرانس، حيث لاتزال تلقى أبحاثها في المغرب حاليًا دعمًا من مؤسسة “ماكس فان بيرشيم” في جنيف.


أما فرانشيسكو شيابوتي Francesco Chiabotti المتخصص في التصوف بالعصور الوسطى، والأستاذ الجامعي في الدراسات الإسلامية في معهد اللغات والحضارات الشرقية (INALCO) في باريس، فقد عمل كمنسق للمشروع العلمي “MAG-Renew – حول التجديدات الروحية والتعبيرات الفنية في مغرب القرن التاسع عشر، معتمدا على منهجية بحث أكاديمي تنطلق من مقاربات بحثية إسلامية وأدبية وجمالية.

كما الأستاذ أومبرتو بونيانينو Umberto Bongianino المحاضر في الفنون الإسلامية وعمارة العالم الإسلامي بمركز بحوث الخليلي بجامعة أكسفورد، فإن مجمل أبحاثه تركز على النقوش العربية، وعلم الخطوط القديمة، وجماليات النقوش والزخارف، وفنون إستصدار الكتب بالغرب الإسلامي.


وحول زقاق الكتبيين المتواري، يؤكد الباحث الأستاذ جعفر الكنسوسي أن موقع الكتبية يعود إلى ألف عام ويقع في قلب مراكش كمدينة مطبوعة، والذي كان يحمل اسم زقاق ، والذي بات اليوم منسياً، أو بالأحرى اختفى أو دُفن في طيات الذاكرة الثقافية للمغرب الكبير.
ويكشف الكنسوسي أن زقاق الكتبيين، يقع فعلياً تحت الأرض المبلطة للساحة الحالية للجامع الشهير، المعروف أساساً بمعلمته الدينية، والذي إعتبر كــ “أجمل بناية في شمال إفريقيا وأشهر”.

ويشير الكنسوسي ، أن ابن الخطيب، الشخصية الألمعية في الأندلس قبل خروج المسلمين، والبطل المؤسس لقصر الحمراء في غرناطة، كان يميز المنارة عن غيرها في داخل المدينة وفي البسيط المديد لسهل الحوز، وأنه لم يرَ إلا قامتها المهيبة التي تأبى المقارنة،ومع ذلك، فإن الكتبية تعتبر معلمة تاريخية.

ويوضح الكنسوسي أن أن فضاء الكتبية حاليا يظهر للعيان اليوم، وحيدا ومنعزلا، وبدون مرافقه التاريخية التي أسست معه وإرتبطت به مجاليا وعمرانيا على غرار المسجد الخرب، ومقصورته الأسطورية الأوتوماتيكية، وقصر الحجر، وقصر علي، ورياض علي، الذي يعتبر أول رياض معروف من هذا القبيل في المغرب العربي.
ولايخف الكنسوسي أن هذا الفضاء التاريخي للكتبية وحارة الكتبيين، كان يشتمل فيما مضى ومنذ تأسيسه على العشرات من خزانات الكتب ومصانع العمل المرتبطة بحرف الكتاب من الناسخين، وصانعي الورق، والمزخرفين، والمذهّبين، والمجلّدين، ممن يعملون على تسفير الكتب، وحشود من الباعة والقراء والمصنفين المهتمين والمشترين للكتب المخطوطة…

ويضيف الأستاذ الكنسوسي أن أجيالا من العلماء، والأولياء، الخاصة والسياحيين المتجولين، وبالطبع من الأمراء توافدت على فضاء الكتبيين كمعلمة مبجلة، مشيرا، أن مجلس الكتبيين بجمعية المنية، يحيي من خلال هذا اليوم الدراسي، الدعوة إلى إعادة الملامح العمرانية والوظيفية الأصلية لفضاء الكتبيين بمراكش المرتبط بمسجد الكتبيين، ويعتزم خوض هذه المغامرة الفكرية والمبادرة الإحيائية الحضارية والروحية، تحت ظلال منارة الكتبية كملحمة ذهبية، ونفض غبار أزمنة اللامبالاة والإهمال وعقود النسيان عنها .

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.